يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي٬ في مؤتمر صحافي٬ إن واشنطن عبرت للرياض عن قلقها حيال القرار السعودي بتعليق المساعدات العسكرية للجيش اللبناني٬ قائلا: «لقد نقلنا مخاوفنا بشأن التقارير عن قطع المساعدات مع السلطات السعودية».
ويقول كيربي إن «المساعدة (السعودية) للقوات المسلحة اللبنانية٬ وغيرها من المؤسسات الشرعية الحكومية٬ أساسية للمساعدة في تحجيم (حزب الله) ورعاته الأجانب»٬ ومؤكًدا أن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني ستستمر لأن أميركا لا تريد «ترك الساحة خالية لـ(حزب الله)٬ أو رعاته». وبالتأكيد أن الخارجية الأميركية جادة٬ ولا تقصد المزاح٬ لكن من هم «رعاة حزب الله» في لبنان؟ أوليست إيران؟ من الذي أطلق سراح إيران دولًيا٬ ومنحها أموالاً تقدر بما لا يقل عن خمسين مليار دولار٬ بل وأكثر٬ ورغم التحذير الدولي٬ والعربي٬ وتحديًدا السعودي٬ الذي قال: إن الأموال الإيرانية هذه لن تذهب لتحسين الأوضاع الاقتصادية الإيرانية بقدر ما أنها ستذهب لدعم الجماعات الإرهابية المحسوبة على طهران٬ وأولها «حزب الله»٬ أولم تكن أميركا هي من فعل كل ذلك؟
إذا كانت الإدارة الأميركية مقتنعة برجاحة خطوة الانفتاح على إيران٬ وإطلاق يد طهران لتعبث بالمشهد الإقليمي٬ وبالتالي الدولي٬ ومنحتها كل هذه المليارات المجمدة خارجًيا٬ في أميركا٬ وغيرها٬ فكيف تعبر أميركا اليوم عن قلقها من تعليق المعونات السعودية للجيش اللبناني٬ وبذريعة أن دعم الجيش من شأنه التصدي لـ«حزب الله» و«رعاته»؟ أوليس رعاة «حزب الله» هم الإيرانيون الذين تهادنهم أميركا الآن٬ وتفرج لهم عن الأموال المجمدة؟ أمر محير فعلاً! أفهم لو أن الأميركيين تمنوا على السعودية تخصيص جزء من تلك المعونات إلى باقي الشرائح اللبنانية٬ وتحديًدا الحلفاء٬ والعقلاء٬ فحينها يجب القول إن هذه نصيحة مهمة٬ وفي مكانها٬ لكن أن تعبر الإدارة الأميركية للسعودية عن مخاوفها من إيقاف الدعم للجيش اللبناني لأن من شأن ذلك أن يقوي «حزب الله»٬ ورعاته٬ أي الإيرانيين٬ وفي نفس الوقت الذي تمد فيه الإدارة الأميركية اليد لإيران٬ ونظامها الداعم لـ«حزب الله» الإرهابي٬ في لبنان٬ وسوريا٬ والعراق٬ وحتى اليمن٬ فهذا أمر غير مفهوم ألبتة٬ ويشي بخلل ما٬ وكبير٬ في طريقة تعامل الإدارة الأميركية مع منطقتنا.
الحقيقة هي أنه لو كانت الإدارة الأميركية جادة بقلقها من الموقف السعودي حيال وقف الدعم عن الجيش اللبناني٬ وبحسب الذريعة التي قدمها المتحدث باسم الخارجية٬ وهي أن الدعم السعودي للجيش يضمن عدم ترك الساحة خالية لـ«حزب الله»٬ ورعاته٬ ولو كانت واشنطن جادة بحماية المشهد اللبناني٬ وغيره٬ فإنه كان من باب أولى أن تكون الإدارة الأميركية أكثر حذًرا٬ وفطنة٬ عندما تعاونت مع إيران٬ وأطلقت لها سراح الأموال المجمدة التي لا تدعم «حزب الله» وحسب٬ بل وبشار الأسد٬ وكل الميليشيات الشيعية الإيرانية المتطرفة في العراق٬ وغيره. ولذا فهذا موقف أميركي لا يمكن أن يوصف إلا بالغريب٬ والمحير٬ ويلخص رؤية واشنطن المتخبطة بمنطقتنا٬ وتحديًدا منذ سبعة أعوام.