“حرب الكرّ والفرّ” لا تزال محتدمة في سوريا. فتارة يُخيّل للمواطن في العالم العربي أن انهيار الرئيس بشار الأسد ونظامه في صورة نهائية لم يعد بعيداً، علماً أن ذلك لا يعني السيطرة على مناطق الطائفة التي ينتمي إليها لأن لها “ربّاً يحميها”. وطوراً يرى المواطن نفسه انحساراً لزخم مقاتلي الإثنين من جيش وميليشيات متحالفة معه ومن ثوار حقيقيين ومن تنظيمات إسلامية ومتشددة وانتقالهم إلى محاربة بعضهم. وتارة يُقال له عبر وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث سواء كانت جدّية أو “بروباغندية” إن أميركا مع تسوية سياسية للحرب في سوريا، يتفاهم عليها النظام ومعارضوه ومقاتلوه برعاية أميركية – روسية – إيرانية – تركية – سعودية، وتؤدي عند تطبيقها أو بعد تطبيقها إلى تخلِّي الأسد عن السلطة، وإلى قيام نظام آخر أكثر عدالة وخصوصاً للغالبية الشعبية التي حكمها النظام أكثر من 50 سنة. وطوراً تُؤكَّد له التسوية السياسية، ولكن يغيب عن التأكيد رحيل الأسد ونظامه عن الحكم جرّاء الاتفاق النووي مع إيران.
وفي العراق أيضاً تسيطر التناقضات على مواقف الدول الخارجية المعنية به وفي مقدمها أميركا. إذ يؤكد مسؤولون مهمون فيها مدنيون وعسكريون أن لا حلّ لأزمته إلاّ التقسيم. وطوراً يُقال إن المقصود بذلك هو الفيديرالية باعتبارها تقسيماً مقنّعاً. كما يُقال أيضاً إن الاتفاق النووي مع إيران جعل أميركا مؤيدة ضمناً لاستعادة الأخيرة السيطرة على المنطقة السنّية فيه. ثم يُقال إن ذلك مستحيل لأن الإدارة الأميركية الحالية وأي إدارة تخلفها لا تستطيع أن تعادي 85 في المئة من مسلمي العالم (السنّة) كرمى لعيون إيران. أما تركيا فإن التناقض نفسه يسود الكلام عنها. فتارة يؤكد الباحثون والمتابعون الأميركيون للأوضاع في الشرق الأوسط أن أميركا اتفقت معها على منطقة آمنة في سوريا المحاذية لها، ووافقتها على منع كيان كردي سوري على حدودها تقدّر مساحته بنحو ثلاثين ألف كيلو متر مربع في مقابل أمور عدة منها استعمال قاعدتها العسكرية في تركيا ضد “داعش” وربما قواعد عسكرية تركية أيضاً، وكذلك في مقابل انخراط تركيا في الحرب على هذا التنظيم. وطوراً ينفي المسؤولون الأميركيون ذلك كله ولكن بخجل. كما يتصرّف المسؤولون الأتراك على نحو يفيد أن اتفاقهم مع أميركا هو لشنّهم حرباً شرسة على حزب العمال الكردستاني التركي وليس على “داعش” الذي لم تتغيّر معاملة أنقرة له عملياً.
انطلاقاً من ذلك كله فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف تفكِّر أميركا الآن في الأزمات والموضوعات المذكورة أعلاه كلها وفي غيرها، باعتبار أن المواقف والتصرفات تتغيّر في استمرار جرّاء تطورات دولية وإقليمية عدة، وأيضاً جرّاء غياب استراتيجيا أميركية واضحة وثابتة حيال سوريا وأزمتها على الأقل؟ علماً أن هناك في واشنطن من يشكو غياب استراتيجيا شرق أوسطية نهائية لأميركا أوباما.
يجيب عن هذا السؤال متابع أميركي مُزمِن “لأميركا الشرق الأوسطية”، ولتطوّر ما يقود بلاده وقوى كبرى دولية وإقليمية إلى تقرير مصير الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، فيقول الآتي:
1 – بات واضحاً للعالم كله وخصوصاً أميركا أن سوريا الأسد الآن دولة “فاشلة”. فهو يسيطر على 20 في المئة من بلاده فقط والباقي تسيطر عليه منظمات “بشعة” بسبب تطرفها وإرهابها.
2 – أقلق الاتفاق الذي قيل إنه حصل بين أميركا وتركيا روسيا وإيران اللتين تخشيان انخراطاً متدرّجاً لواشنطن في الأزمة السورية ودوراً أكبر وخصوصاً إذا لم يتم التوصل إلى تسوية لها قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. ذلك أن السيد المقبل للبيت الأبيض أياً يكن سيكون أكثر تشدُّداً من أوباما.
3 – تعرّض شعبا سوريا والعراق إلى استنزاف كبير ولم يعودا يريدان القتال. وينطبق ذلك أكثر على طائفة الرئيس الأسد التي خسرت عشرات الآلاف من أبنائها العسكريين والمدنيين في الحرب، والتي تريد حلاً قبل أن تصل إلى “معقلها الأساسي”. ويعني ذلك أن على الإيرانيين و”وكلائهم” أن يتابعوا الحرب بدلاً منها. وهم أيضاً لحقت بهم خسائر فادحة عسكرية ومالية.
4 – تريد أميركا أن ترى حصيلة إيجابية لمساعيها الإقليمية وخصوصاً في الموضوع السوري، وهي لذلك تحاول إقناع تركيا والمملكة العربية السعودية بقبول حلّ لا يلبي مطالبهما القصوى.
ماذا يقول أيضاً المتابع الأميركي المزمن نفسه عن الأفكار الشرق الأوسطية لأميركا اليوم؟