بالنسبة إلى موقف الإدارات الأميركية المتعاقبة خلال العقدين الأخيرين من إيران و «الإخوان المسلمين»، يبدو كأن الأميركيين لا يؤيدون مذهباً دينياً بعينه ولكنهم دائماً يختارون الوقوف مع طرف سياسي يساعدهم في تنفيذ خطواتهم لمستقبل المنطقة، فالتناقض المفترض بين «الإخوان» (السنّة) والإيرانيين (الشيعة) لم يفرض مواقف متباينة من جانب الأميركيين تجاه الجماعة «الإخوانية» أو النظام الإيراني، بل يكاد يكون السلوك الأميركي داعماً لإيران و «الإخوان» بغض النظر عن التصريحات الأميركية وكلام المسؤولين هناك في هذا الشأن، علماً بأن الوقائع على الأرض خلال السنوات الماضية أثبتت أن الجماعة ونظام طهران يمثلان أكبر تهديد لأمن واستقرار المنطقة العربية، التي تدفع بعض دولها الآن ثمن نجاتها من مؤامرات حيكت وسياسات مورست وأفعال ارتكبت أدت إلى تقسيم دول أخرى وتفتيت مجتمعات وتشتيت شعوب.
كان الهدف المعلن للحرب على الإرهاب، التي شنتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج بوش الابن، عقب أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 هو القضاء على منابع التنظيمات الإرهابية ووقف سبل دعمها مادياً ومعنوياً، ومنعها من ضم عناصر أخرى أو اكتساب أرض جديدة غير أفغانستان التي كانت حاضنة للجماعات الأصولية الراديكالية في ذلك الوقت، وبعض المناطق المتناثرة الأخرى في جيوب صغيرة في أنحاء متفرقة من العالم. وفي سبيله ولتحقيق الانتصار في الحرب، أطلق بوش العبارة الشهيرة «من ليس معنا فهو ضدنا»، فكان معه العالم كله تقريباً إلا بعض الدول التي كانت تتبنى سياسات علنية مخالفة للأميركيين كإيران وكوريا الشمالية وكوبا!
ورغم أن معلومات موثقة وشهادات حية أثبتت أن إيران تحولت الى مأوى لعدد من أعوان أسامة بن لادن وقادة في «القاعدة»، بل إن واحداً مهماً منهم هو ثروت صلاح شحاتة الذي كان يعد الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» وإحدى الأذرع المهمة المعاونة للدكتور أيمن الظواهري بقي سجيناً في إيران لفترة، لحمايته من أي تهديد، إلا أن الحرب الأميركية المزعومة على الإرهاب لم تطل إيران التي كانت تتبنى مواقف سياسية ولا يخرج من قادتها أو سياسييها أو إعلامها إلا خطاب معادٍ للأميركيين! تماماً كتعامل الأميركيين دائماً مع «الإخوان» أصحاب الحناجر الفولاذية والعبارات النارية ضد الأميركيين والمواقف الناعمة والسياسات الموائمة المحافظة على مصالح دولة البيت الأبيض.
في أوراق التحقيقات المصرية مع شحاتة معلومات كثيرة، صارت بالتأكيد في حوزة الأميركيين، عن علاقات قادة إيران بتنظيم بن لادن، لكن المسألة تتجاوز تحالف الإيرانيين مع تنظيم «القاعدة» وقائده لفترة وتتعلق بحسابات المصالح والمكاسب والخسائر لدى الأميركيين الذين رسموا خططاً للتقارب مع الإيرانيين و «الإخوان» في آن.
أدت السياسات الأميركية، في السنوات الأخيرة، الى أضرار بالغة بدول عربية، غالبيتها إن لم تكن متحالفة مع الأميركيين فهي بكل تأكيد لا تعاديهم. تكفي هنا الإشارة إلى اتفاق إدارة أوباما مع الإيرانيين في شأن الملف النووي وأيضاً سياسات الإدارة نفسها مع «الإخوان» الذين لا يمر شهر دون أن يجول عدد من قادتهم بين أروقة الخارجية الأميركية، للتعرف إلى أي مدى تمّ الإضرار بدول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً، وكيف ساهم الأميركيون في الإبقاء على أمل زائف لدى «الإخوان» بالعودة الى الحكم وبالتالي استمرارهم في ممارسة تصرفات تهدف إلى هدم الدولة المصرية على من فيها.
يطول الحديث عن التناقضات في السياسات الأميركية والمقارنة بين مواقف إدارة أوباما من الأوضاع في كل من العراق وسورية مجرد نموذج، لكنه الهوى الإيراني المسيطر على البيت الأبيض. لا مجال لرصد التباين في الموقف من حركة «حماس» مثلاً والدفاع عن «الإخوان» في مصر والترويج لمزاعم الجماعة. هنا لا يمكن لوم إيران أو «الإخوان»، فالأصل لدى الجماعات والتنظيمات والدول التي تستخدم الدين وأتباع البراغماتية والتقية أن «تتمسكن» حتى تتمكن، لكن لا يمكن افتراض حسن النوايا لدى الأميركيين أو الغفلة تجاه ممارسات هدفها سرطنة مجتمعات عربية بأفكار تدفع فئات من شبابها ورجالها ونسائها إلى تحقيق أهداف تضر بتماسك دولهم واستقرارها.
تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الأحد الماضي في ذكرى 11 سبتمبر، عن أن الإرهابيين «يحاولون غالباً تنفيذ هجمات على نطاق ضيق، لكنها تبقى دامية»، بعدما أشار إلى أفعال «القاعدة» و «داعش» من دون أن يذكر إيران أو «الإخوان»، فأيقن العالم العربي بالفعل أن الدولة الوحيدة التي لا يمكن أن تعاني اضطرابات أو تهديدات مجتمعية هي الولايات المتحدة نفسها، لسبب بسيط أن ليس فيها سفارة أميركية!