IMLebanon

أميركا تكتشف أقليّات المشرق

فيلادلفيا | تأخذ الحرية الدينية طابعا مختلفا في الاحاديث الاميركية، ولا سيما بالنسبة إلى الآتين من منطقة متفجرة وحافلة بالصراعات الدينية. ثلاث مفارقات اساسية في هذا المجال:

أولاً، وضع مسيحيي الشرق. يقول احد السياسيين اللبنانيين في واشنطن انه بقدر السلبيات التي تركها وضع العراق وتمدد تنظيم الدولة الاسلامية وارتكاباتها في حق الاقليات، الا ان المردود «الايجابي» الوحيد هو أن الادارة الاميركية بدأت تتعامل بجدية مع موضوع الاقليات ولا سيما منهم المسيحيون في الشرق الاوسط. فلاول مرة بدأ الاميركيون يتحدثون بالاسماء عن الطوائف وعن المذاهب المسيحية بعدما كان هذا التمييز من المحرمات الاميركية، لاعوام طويلة.

ومما لا شك فيه ان استحداث مكتب خاص في الادارة الاميركية لمتابعة ملف المسيحيين في سوريا والعراق وتهجيرهم بعد مؤتمر دعم المسيحيين في الشرق الاوسط الذي شهدته واشنطن في ايلول الماضي، سيفتح بحسب الأميركيين المعنيين مجالات اكثر حضورا لتأمين حماية الحضور المسيحي في الشرق، وسيكون له القدرة على استقطاب دعم دولي وحشد الاهتمام الأميركي الداخلي لمساعدة مسيحيي الشرق الأوسط، علما ان اللبنانيين الناشطين في واشنطن يعملون على تمييز وضع مسيحيي لبنان عن سوريا والعراق، وايضا مصر، حيث تكبر المخاطر وتقل قدرة الطوائف المسيحية على مواجهتها منفردة.

ثمة واقعية في الكلام عن الحضور المسيحي والاقليات، اذ يمتزج الحديث الديني بالوقائع السياسية لجهة تطورات سوريا والعراق وتأثير ذلك على لبنان. ثمة أولويات سياسية تتعلق بوضع لبنان وترتيبات العراق ووضع سوريا، جعلت من الصعب التعاطي مع ملف الاقليات كضرورة أولية، لكن الامور اتخذت في الفترة الاخيرة منحى اكثر جدية.

ويعترف احد الاساقفة الاميركيين الكاثوليك بأن الوضع المسيحي صعب في المنطقة، وبأن العمل يحب ان يكون منصبا على ابقاء المسيحيين في ارضهم، مشيرا الى ان الفاتيكان يقوم جاهدا بما في وسعه، لكن كثرة التدخلات السياسية والدينية في المنطقة تجعل من الضروري الاعتراف بالحاجة الى جهد اكبر، من قبل جميع الكنائس الاميركية المحلية لمساعدة مسيحيي الشرق الاوسط.

ثانيا، بقدر ما يكثر الحديث عن الحرية الدينية التي يريد الاميركيون الحفاظ عليها في بلادهم، ولا سيما للاجئين المتدفقين من الدول التي تشهد صراعات عرقية ودينية، وعن حوار الاديان والثقافات والمصالحات، تبعد المسافة عن الشرق المشتعل بحروب طائفية. لعلها اكثر من معبرة ان تعدد احدى دوائر الهجرة من بين الأسباب التي تدفعها إلى تسهيل استقبال اللاجئين، الانفجارات في بيروت ومخيمات النازحين السوريين، في مشهد يعكس المفهوم الذي ترى فيه الدوائر التنفيذية في الولايات نوعية الصراعات في الشرق الاوسط.

و الحرية الدينية أحد اكثر المواضيع اليومية التي تثار في الكلام عن اللاجئين وتدفقهم الى الولايات المتحدة، التي تسعى الى دمجهم في المجتمع الاميركي لا عزلهم. يختلف مفهوم الهجرة واللجوء وطريقة التعامل مع اللاجئين بين دول اوروبا واميركا جذريا. من هنا يفهم ايضا كيف يمكن للبعض الا يتمكن من استيعاب خصوصيات الدول التي ترفض استقبال اللاجئين او تنظيمهم في مخيمات بدل «دمجهم» في مجتمع كالمجتمع اللبناني، كما ان هناك تقاطعا في الرؤية بين العمل على الحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق، واستقبال اللاجئين الاتين من العراق، والاستعداد لبدء استقبال موجات الهجرة من سوريا برغم ان لا شروط ولا تمييز في استقبال اللاجئين مهما كانت طائفتهم.

ثالثا، يتصاعد الكلام عن حرية المعتقد والدين في الولايات الاميركية، ولا سيما منها تلك التي تستقطب خصوصا لاجئين من مناطق النزاعات. وينصبّ الحديث على ضرورة استيعاب الفكرة الاميركية القائمة على حماية الحريات الدينية، كأساس لحماية الاقليات في الشرق الاوسط، ولا سيما من خلال مقارنة الأميركيين الدائمة بضرورة احترام خصوصية المجموعات الدينية وممارساتهم لشعائرهم وحياتهم اليومية، في ظل تعدد الكنائس المحلية والانتماءات الدينية المتنوعة، ومنها على سبيل المثال طائفة الـ»أميش» في لانكستر.