في الطبيعة قانون واحد ثابت ومستمر يحكم مسارها. في السياسة قوانين كثيرة ومتضاربة، وحتى في القانون الواحد يجوز فيه الوجهان! ولهذا السبب، تكثر في هذه الأيام الاجتهادات داخلياً واقليمياً حول مصير الأزمات العاصفة في المنطقة، وأساسها تعب كل طرف من ثقل الأزمة التي يحملها كل هذا الوقت الطويل! ويخرج المجتهدون بنتائج متضاربة، على الرغم من أن كل طرف يستند الى وقائع ملموسة في الميدان وفي السياسة معاً. ومن الطريف أن يحدث أحياناً أن يعتمد الطرفان على الوقائع نفسها، ولكنهما يتوصلان الى نتائج متضاربة ومتعاكسة! وهذا مفهوم…
ففي السياسة يجوز الوجهان! وأبرز مثال على ذلك ما يتم تداوله في قضيتين إحداهما تشغل السياسيين والناس في لبنان فقط، وهي المتعلقة بموعد التوصل الى حلول لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. والثانية تشغل الجميع داخل لبنان وخارجه، من العواصم الاقليمية ووصولاً الى واشنطن وموسكو، وهي المتعلقة أساساً بسوريا وبالحرب الدائرة فيها…
القضية الرئاسية التي تشغل الناس في لبنان وتحتل المرتبة الأولى نظرياً في اهتمامهم، فإنها تحتل مرتبة ما على جدول أعمال عواصم القرار في العالم، ولكنها بالتأكيد تحتل المرتبة الثانية بعد الحل في سوريا! ويبني البعض اجتهاده على نظرية أن انشغال أميركا حالياً في معركتها الرئاسية يحد من قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الصراع في المنطقة. والأمر نفسه ينطبق على تركيا وهي شريك رئيسي في اشعال الأزمات، لانشغالها حالياً بإزالة آثار الحركة الانقلابية الفاشلة، والبناء عليها لانجاز انقلاب مدني مضاد يخدم الروزنامة الاسلامية للحزب الحاكم! وهذا الاستنتاج غير صحيح بالنسبة لأميركا لأن هدفها الاستراتيجي في المنطقة هو استنزاف الخصم والحليف معاً بما فيه روسيا ومن يتبعها ودول الخليج ومن يتبعها… وعلى هذا لا تحتاج أميركا الى قرار حاسم!
الأمر يختلف بالنسبة الى تركيا ليس من ناحية الكف عن التعاطي بأزمة المنطقة وانما لجهة مرورها اليوم بمرحلة اعادة نظر بالتوجهات وترتيب الأولويات… وفي الحالتين الأميركية والتركية هذا يعني أن أوان الحلول لم يحن بعد…