أوروبا تستبق أي قرار للرئيس دونالد ترامب بتكرار التأكيد على ثبات التزامها اتفاق الدول الست وايران على البرنامج النووي. وهي تدير الخلاف مع واشنطن بالنصائح والتركيز على المصالح. هكذا قادت رؤية المصالح المسؤولة العليا عن السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديركا موغيريني الى تنظيم اجتماع عاجل في بروكسيل ضمّ اليها وزراء الخارجية الفرنسي والبريطاني والألماني والايراني. وهكذا كانت المصارحة أقوى من الديبلوماسية عبر ابلاغ محمد جواد ظريف ان أوروبا متمسّكة بالاتفاق ولو انسحبت منه أميركا، بصرف النظر عن كون المقياس بالنسبة الى طهران والتزامها الاتفاق هو الموقف الأميركي.
ومن السهل على موغيريني ان تصف الاتفاق النووي بأنه عامل استقرار في المنطقة ويحقق مصلحة أمنية استراتيجية لأوروبا. لكن من الصعب عليها كما على الوزراء والرؤساء الذين فوقهم تجاهل الصدام الكبير في سباق بين مشروعين على جغرافيا لبنان وسوريا والعراق واليمن: مشروع ايراني عنوانه محور المقاومة الذي يكرّر المنخرطون فيه انه المنتصر في حروب سوريا والعراق واليمن، والساعي الى الانتصار على العدو الاسرائيلي، والمتأكد من ان المستقبل في المنطقة له. ومشروع أميركي ضمن استراتيجية الأمن القومي الجديدة التي أعلنها ترامب عنوانه كبح النفوذ الايراني في المنطقة. وبين المشروعين مشروع روسي بدأ بالتدخل العسكري المباشر في حرب سوريا ولا تزال أهدافه مزيجا من الوضوح والغموض، وان استعجل الرئيس فلاديمير بوتين اعلان النصر.
والاشارات متناقضة حول دور الوجود العسكري الروسي الدائم في سوريا، وهل يقطع الطريق على المشروع الايراني أم يوظفه ويعمل على التساكن معه. وهي كذلك بالنسبة الى العلاقات الأميركية – الروسية المتدهورة، حيث خطة موسكو زرع الشوك على طريق أميركا من أجل دفعها الى التسليم بالحاجة الى الاعتراف بالتعامل من ندّ الى ندّ مع روسيا كقوة عظمى عالمية ومشاركتها في ادارة النظام العالمي. لكن الاشارات واضحة بالنسبة الى اقتراب أوروبا من الموقف الأميركي في مواجهة النفوذ الاقليمي لايران.
ذلك ان ترامب ينتقد اعطاء سلطة باراك أوباما الأولوية المطلقة للاتفاق النووي، بحيث قاده الدهاء الايراني الى العجز عن الربط بين الاتفاق النووي والتفاهم على القضايا الاقليمية ثم الى رفض طهران أي تفاوض حول هذه القضايا بعد انجاز الاتفاق. وهو يطلب من أوروبا ان تساهم مع أميركا في تقطيع الأذرع الايرانية في المنطقة أو أقلّه في ما تدعو اليه واشنطن وباريس ولندن وبرلين، وهو تغيير السلوك الايراني.
ولبنان شديد التأثر بصدام المشروعين.