IMLebanon

أميركا جيّرت لبنان لسوريا في الطائف فهل تجيّره لإيران في الاتفاق النووي؟

عندما تكرر إيران الرد على طلب الرئيس سلام المساهمة في تسهيل انتخاب رئيس للبنان كما ساهمت في تسهيل تشكيل حكومته بالقول: على اللبنانيين أن يتفاهموا على انتخابه وخصوصا المسيحيين، فمعنى ذلك انها لن تقول كلمتها في الموضوع الا في ضوء نتائج المفاوضات حول الملف النووي. وفي الانتظار تترك الكلمة لـ”حزب الله”، وقد باتت معروفة وهي ان العماد عون مرشحها “وما عندها بدالو”، وان كان الحزب يعلم علم اليقين ان لا حظوظ له بالنجاح الا اذا انتصر المشروع الايراني التوسعي في المنطقة. وبدأ في لبنان العصر الايراني بعد العصر السوري.

الواقع ان ثمة فرقاً بين تشكيل الحكومة وتسهيل انتخاب رئيس. فالحكومة كان لا بد من تشكيلها تحسبا لشغور رئاسي محتمل ان لم يكن محتوما. وتشكيلها لا يعني ان خطر حصول فراغ شامل في لبنان قد زال، وانما تستطيع ايران ان تهدد به لبلوغ اهدافها في اي وقت، اذ يكفي ان يستقيل الوزراء الذين يمثلون “حزب الله” ومن معه حتى تصبح مستقيلة برمتها. اما انتخاب رئيس للجمهورية فلا يبعد هذا الخطر نهائيا. فاستقالة الحكومة يعقبها فورا اجراء استشارات لتشكيل حكومة أخرى. لذلك الاهمية هي لانتخاب رئيس للجمهورية مدة ولايته ست سنوات وليس لتشكيل حكومة لا مدة لبقائها.

والسؤال المطروح هو: هل يظل “حزب الله” متمسكا بالعماد عون اذا انتهت مفاوضات النووي الايراني الى اتفاق، فتحاول إيران ان تفعل ما فعلته سوريا بجعل رئيس جمهورية لبنان في خطها السياسي بحيث تؤيد كل مرشح للرئاسة يؤيد هذا الخط. وهذا ما جعل رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد يقول: “إنّ الحزب يريد معرفة نهج الرئيس المطلوب انتخابه”، اي هل هو مع المقاومة ومع بقاء سلاحها؟ وما معناه ايضا ان الحزب هو مع اي مرشح يجيب بالايجاب عن هذا السؤال تماما كما كانت تفعل سوريا مع اي مرشح رئاسي، فإما يؤيد بقاء قواتها في لبنان تحت مقولة: “ضروري وشرعي وموقت”… فتؤيده وإما يرفض فلا تؤيده. واذا كانت الوصاية السورية دامت 30 عاما خلافا لما نص عليه اتفاق الطائف، فظل لبنان دولة مستعارة، فكم سيستمر بقاء سلاح “حزب الله” خارج الدولة ولا يقوم في لبنان عندئذ دولة؟!

ثمة من يقول ان “حزب الله”، بغية ايصال رئيس للجمهورية يثق به، مستعد لأن يضع سلاحه في كنف الدولة او ان يوافق على استراتيجية دفاعية تجعل هذا السلاح قوة اضافية لقوات الدولة في مواجهة اي عدوان، سواء جاء من اسرائيل او من تنظيمات ارهابية. اما اذا انتخب رئيس للجمهورية لا تطمئن ايران الى نهجه وادائه، فإن الحزب قد يظل مصرّا على الاحتفاظ بسلاحه ليبقى له القرار، خصوصا في المواضيع الاساسية والقضايا المصيرية، وان على قوى 14 آذار ان تختار بين انتخاب رئيس تقوم معه الدولة القوية ويقبل وضع سلاحه في كنفها، او تنتخب رئيسا لا تقوم معه هذه الدولة.

لذلك يمكن القول ان لبنان يواجه مع ايران وسلاح “حزب الله” ما واجهه في الماضي مع سوريا عندما خيّرته بين القول بوصايتها عليه وبرئيس يؤيد استمرار هذه الوصاية كي يتوقف الاقتتال في لبنان ويستقر الوضع فيه، او ان يستمر الاقتتال الى ما لا نهاية. فكان لا بد بعد موافقة اميركية وعربية وعدم ممانعة اسرائيلية من القبول بالوصاية السورية، وإن على مضض، بالنسبة الى قيادات مسيحية للتخلص من سيطرة السلاح الفلسطيني. وقد اعتبرت هذه القيادات ان السياسة الاميركية البراغماتية جعلتها تبيع حلفاءها في لبنان لترضي سوريا خدمة لمصالحها في المنطقة. فهل تطبق اميركا هذه السياسة مع ايران خدمة لمصالحها ايضا، اذا صار اتفاق على النووي، فتوافق على انتخاب رئيس للبنان تثق به ايران اذا كان السبيل الوحيد لجعل “حزب الله” يتخلى عن سلاحه او يضعه في كنف الدولة ويصير في الامكان تنفيذ القرار 1701 تنفيذا دقيقا كاملا، وتحكم الهدنة بين لبنان واسرائيل العلاقات بينهما ريثما يتم التوصل الى اتفاق سلام شامل في المنطقة؟ ام ان الظروف اليوم تختلف عن الأمس، إذ ان الوصاية السورية على لبنان، حظيت بموافقة عربية ودولية وبعدم اعتراض اسرائيلي في حين ان وصاية ايرانية على لبنان وإن غير مباشرة وعبر “حزب الله”، لا اتفاق عليها ولا بد من انتظار مرحلة ما بعد التوصل الى اتفاق على الملف النووي الايراني او الى ما بعد عدم التوصل اليه، بحيث يصير في استطاعة الاقطاب المسيحيين ولا سيما الموارنة الاربعة تحديد سياسة لبنان، وهي سياسة النأي بالنفس ترجمة لإعلان بعبدا لأنها السياسة الوحيدة التي تحافظ على استقلاله وسيادته وتحميه من كل تدخل خارجي، خصوصا بعدما جرب لبنان منذ الاربعينات سياسة الانحياز الى هذا المحور او ذاك، فدفع الثمن غاليا من سيادته واستقلاله وقراره الحر، وجعل انتخاب الرئيس ليس انتخابا لشخص انما لمحور. وهنا المشكلة التي تعطل انتخابه…