– من واشنطن –
كشفت مصادر أميركية مطلعة بأن ادارة الرئيس دونالد ترامب أقرت عدة أهداف استراتيجية مكملة لبعضها وهي منع ايران من أن تصبح قوة صاروخية-نووية كما هو الحال مع كوريا الشمالية وانهاء دور وسطائها في المنطقة، وتحديدا حزب الله، من أجل الحد من نمو نفوذها في الشرق الأوسط. لكن هذه المصادر تحدثت عن استمرار الخلافات داخل الادارة حول الآلية والتكتيكات التي ستعتمد من قبلها لتنفيذ هذه الاستراتيجية التي تلاقي اجماع كبار المسؤولين في واشنطن. وحسب أحد مستشاري ادارة ترامب فان القيادة الأميركية اليوم قررت العودة بالوراء في سياستها نحو ايران وتوسيع دائرة حربها على الارهاب والتي كانت منذ 11 أيلول 2001، محصورة بالمجموعات التكفيرية السنية لتشمل القوى الشيعية المتطرفة أيضا والتي يقودها الحرس الثوري الايراني.
لقد كان لافتا الاحتفال التأبيني الذي قام به البيت الأبيض في ذكرى مقتل 241 عنصرا من جنود مشاة البحرية الأميركية في بيروت في 23 تشرين أول 1983، والكلام الذي جاء على لسان نائب الرئيس الأميركي مايك بنس حيث وصف الهجوم بأنه كان «بداية حرب أميركا مع الارهاب.» ولم تُجرِ أيٌّ من الادارات الأميركية السابقة ذكرى بهذه المناسبة. ويشير المستشار نفسه الى أن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي هما جنرالان متقاعدان من مشاة البحرية الأميركية وكانا قبل 34 عاما ضابطين يافعين وهما لم ينسيا حتى اليوم الهجوم الدامي ضد زملائهما في بيروت.
وأضاف: «لقد جاء وقت الحساب وهما في السلطة اليوم وأميركا لا تترك ثأرها أبدا، وليراجعوا التاريخ.» وحسب مصادر عسكرية أميركية فان التحقيقات التي اجريت بعد هجوم مركز «المارينز» في بيروت أظهرت بما لا يدعو للشك بأن الحرس الثوري الايراني نفذ الهجوم بالتعاون مع حلفائه في لبنان (حزب الله)، ووصف معدّو التقرير الحدث بأنه «عمل عدائي» وليس ارهابياً، أي أنه هجوم من دولة على أخرى. لكن الأوضاع الجيوسياسية حينها فرضت على واشنطن الانسحاب والاكتفاء بالرد عبر دعم العراق في حربه على ايران ولاحقا عبر المواجهات البحرية في الخليج بما عرف حينه بحرب ناقلات النفط، حيث أغرقت الطائرات الأميركية عدة زوارق للحرس الثوري الايراني.
وحسب مسؤولين مقربين من البيت الأبيض فان ادارة ترامب لم تلغِ الاتفاق النووي مع ايران ولم تسمِّ الحرس الثوري منظمة ارهابية، بل عمدت الى تحويل مصير الاتفاق النووي الى الكونغرس الأميركي الذي سيقوم بزيادة العقوبات بشكل تصاعدي مما سيرفع حجم الضغوط على الشركاء الاوروبيين لينضموا الى واشنطن بسعيها لإجبار طهران على العودة الى طاولة المفاوضات من أجل وضع قيود على برنامجها الصاروخي. كما أن أميركا لن تعتبر الحرس الثوري الايراني منظمة ارهابية لأسباب قانونية، انما سيعمل الكونغرس بالتعاون مع البيت الأبيض على اصدار قرار يعتبر الحرس الثوري «كيانا داعما للارهاب.» وتعمد واشنطن اليوم لفرض المزيد من العقوبات ضد جميع قيادات ومؤسسات الحرس الثوري بالاضافة الى كافة المجموعات المسلحة التي تعمل تحت جناحه في المنطقة، وتحديدا حزب الله.
تتزامن خطوات البيت الأبيض مع حملة اعلامية وسياسية-دبلوماسية تشنها اسرائيل اليوم في أميركا وأوروبا وحتى روسيا تحت عنوان «كيفية منع حرب لبنان الثالثة». ويقود هذه الحملة الممولة من «مجموعة أصدقاء اسرائيل» والتي تضم شخصيات سياسية أوروبية وآسيوية سياسية وعسكرية اللوبي الاسرائيلي في الغرب، وتتمثل بقيام مجموعة من رؤساء أركان وضباط سابقين في الجيوش الأوروبية ودول آسيوية بتنظيم ندوات ومؤتمرات في مراكز أبحاث أوروبية وأميركية يقدمون خلالها الدراسة التي أعدوها عن حرب اسرائيل القادمة ضد حزب الله. وتهدف هذه الدراسة والندوات المتعلقة بها لإيصال الرسائل التالية لمن يعنيهم الأمر:
< وصول درجة الشعور بالتهديد لدى القيادة الاسرائيلية من خطر حزب الله والحرس الثوري في لبنان والجولان الى حد سيحتم على اسرائيل التعامل عسكرياً معه. فالوضع اليوم يجعل مسألة اندلاع هذه الحرب مسألة وقت فقط.
< الحرب المقبلة ستكون أكثر دمارا من كل سابقاتها وستخلف ضحايا بالمئات وتؤدي الى موجة نزوح كبيرة باتجاه أوروبا والأردن.
< ستستخدم اسرائيل أسلحة جديدة ومتطورة في حربها المقبلة والتي ستكون برية-جوية، تهدف بالدرجة لأولى لتدمير قدرات حزب الله على تهديد الداخل الاسرائيلي.
وحسب بعض المراقبين فان اسرائيل تسعى عبر هذه الحملة للضغط على الادارة الأميركية والدول الأوروبية للتحرك سريعاً للضغط على ايران لوقف دعمها لحزب الله. كما تأمل اسرائيل بأن توفر واشنطن دعما عسكريا لها لتتمكن من تحقيق أهدافها. لكن اسرائيل تحاول في الوقت ذاته بأن تحضر الرأي العام الغربي لحجم الخسائر التي ستخلفها حربها المقبلة في لبنان والجولان، وبأنها قد حذرتهم سلفاً من عواقب الواقع الذي تجد نفسها فيه اليوم. بالرغم من أنه لا يوجد حماسة داخل أركان البيت الأبيض للتدخل عسكرياً في لبنان والجولان، الا أن واشنطن لن تتأخر عن مد يد العون لاسرائيل عسكرياً وسياسياً اذا ما طلبت ذلك في حربها المقبلة. وتجدر الاشارة الى التوافق الكبير بين ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والذي كان مفقودا في عهد ادارة الرئيس السابق باراك أوباما.
أما في ما يخص لبنان، فإن واشنطن لا تزال تراجع سياستها اتجاهه. وحسب أحد المتابعين للملف اللبناني فإن غالبية أركان الادارة الأميركية يعتبرون أن معظم لبنان اليوم (قيادة وسلطة ومؤسسات) يخضع لسيطرة حزب الله، ولكنهم ما زالوا يراهنون على مؤسستين فيه: المؤسسة العسكرية والمؤسسة المصرفية (البنك المركزي). وستعمل الادارة الأميركية على حماية وتعزيز هاتين المؤسستين لضمان استمرارية لبنان في حال تعرضه لحرب شرسة من قبل اسرائيل. وستأخذ العقوبات على حزب الله مساراً تصعيدياً بحيث ستضاف بنود جديدة على قانون العقوبات مستقبلا ستشمل شخصيات حزبية ومسيحية لها ارتباطات سياسية ومالية مع حزب الله. ويتوقع أن تزداد الحملات الأميركية-الاسرائيلية شراسة ضد حزب الله مع اقتراب الانتخابات النيابية اللبنانية. لكن يجب الاشارة الى أنه بالنسبة لكل من ادارة ترامب واسرائيل، فإن ملف لبنان مرتبط اليوم بشكل مباشر بملف الحرس الثوري الايراني وطهران، وبالتالي فإن اندلاع شرارة الحرب في لبنان هذه المرة قد تطال ايران بشكل مباشر، والعكس صحيح. فحرب لبنان الثالثة قد تتحول بسرعة الى حرب اقليمية.
* باحث في الشؤون الاستراتيجية