لم يكد ينتهي رئيس الجمهورية من القاء كلمته، في مؤتمر اسطنبول، نصرة للقدس، بعد ساعات من مواقف نارية لوزير الخارجية جبران باسيل من الولايات المتحدة الاميركية، حتى حطت طائرة عسكرية في بيروت ناقلة قائد القيادة الوسطى حاملا معه هدية 2018 قبل ايام من حلول السنة الجدية،في رسالة هي الثانية من نوعها، جاءت الاولى مع استقالة رئيس الحكومة بقيمة حوالى 40 مليون دولار مقدمة من وزارة الخارجية، وبالامس 120 مليون دولار من »البنتاغون».
ففي الوقت الذي باشرت فيه وزارة الدفاع الايطالية تنكب الدوائر المختصة في وزارة الدفاع الايطالية منذ اشهر على الاعداد لمؤتمر «روما 2» المخصص لدعم القوات المسلحة الشرعية اللبنانية المتوقع انعقاده مطلع 2018 ، تحت عنوان تمكين القوى المسلحة اللبنانية من بسط سيطرتها على كامل الاراضي»، بما يحمي سلامة وامن الاراضي والمواطنين على حد سواء، من منطلق رفض المكونات الدولية المشاركة لأي سلاح غير ذلك الذي يتزود به الجيش اللبناني والاجهزة الامنية الرسمية، بعد إنجازات الجيش اللبناني وانتصاراته، حط الجنرال فوتيل في بيروت حاملا معه دعما اضافيا نوعيا، يتلاءم وحاجات الجيش خلال المرحلة المقبلة .
بالطبع احدا لن ينكر عامل الصدفة بين الحدثين، فزيارة الجنرال فوتيل الى بيروت كانت مقررة سلفا وكذلك هديته الميلادية، وهي تندرج في اطار زياراته الدورية الى بيروت للاطلاع عن كثب الى تطور قدرات الجيش اللبناني وامكاناته، وتقييم الحاجات والمساعدات المطلوبة بعد كل مراجعة وتدقيق، خصوصا ان قائد القيادة الوسطى الاميركية من اشد المنحازين والمتحمسين للبنان وضرورة تعزيز جيشه ، بوصفه الرهان الصحيح،حيث بينت الاحداث المتلاحقة وخصوصا عملية فجر الجرود صحة نظرته ورؤيته وهو ما دعم مواقفه في البنتاغون واضفى مصداقية للتقارير التي يرفعها، وقد اظهر تقديره هذا من خلال التكريم الذي خص به قائد الجش العماد جوزاف عون خلال زيارته الثانية الى واشنطن.
غير ان عيدية الـ 2018 يبدو انها «محرزة» اذ تتضمن ست مروحيات هجومية خفيفة من طراز «MD 530 G» ماكدونيل دوغلاس أميركية الصنع،وافق الكونغرس في تشرين الأول الماضي على تزويد الجيش اللبناني بها، شاملة معدات اتصالات مثل أجهزة اللاسلكي، الملاحة بواسطة الأقمار الصناعية، وأجهزة الإرشاد اللاسلكي المزوّدة بأدوات استجابة، بقيمة اجمالية بلغت حوالي 110 ملايين دولار أميركي، تتميز بانها قليلة التكاليف ورخيصة الثمن مع فعالية قتالية رفيعة المستوى، ومُجهزة بأحدث إلكترونيات الطيران وأنظمة الإستشعار الليزيرية والحرارية والتلفزيونية ويمكنها إصطياد الدبابات ومهاجمة الحشود في الليل كما في النهار. يتألف طاقمها من طيارين، سرعتها 280 كم في الساعة، ومداها 426 كم، يمكن تزويدها بمجموعة واسعة من الأسلحة تستطيع حمل 6 صواريخ مضادة للدروع موجهه بالليزر وراجمة صواريخ 14 بوصة أو قاذفة صواريخ 70 ملم عدد 2 ومدفعية رشاشة عيار 12.7 ملم بمدى 3 كم ومخزن يتسع لـ 4 آلاف طلقة.
اما طائرات من دون طيار «سكان ايغل»، والتي عددها ست، فان الجيش يملك اثنان منها تم استخداهما بفاعلية خلال معركة فجر الجرود وما قبلها، ولعبت دورا بارزا في رصد تحركات المسلحين وتجمعاتهم ،مقدمة احداثيات دقيقة لسلاح المدفعية، كما كان لها دور اساسي في توجيه القذائف الذكية.
وفي هذا الاطار تكشف مصادر مقربة من السفارة الاميركية والمحسوبيات التي تبطء من سرعة عجلة التطوير والتغيير، مدرجة في هذا الاطار حرص القيادة اللبنانية على الاستفادة من كل سنت مقدم من خلال الهبات وبرامج التدريب، مذكرة كيف طلب قائد الجيش انهاء خدمات بعض فرق التدريب الاميركية، بعدما استطاع العسكريون اللبنانيون دورات التدريب وتخريج مدربين لبنانيين، ما سمح بتحويل الاموال المخصصة لذلك لتحقيق اعتدة يحتاجها الجيش، كذلك بالنسبة لتعديل بعض برامج المساعدات وفقا لما تقتضيه الظروف، مبدية استغرابها للربط بين تلك المساعدة ومسألة نقل السفارة الاميركية الى القدس.
وكشفت المصادر المقربة من السفارة الاميركية ان الادارة الاميركية تولي اهمية قصوى للاستثمار الامني والعسكري في لبنان وهو ما يظهر جليا في حجم المساعدات المقدمة طوال السنوات الماضية، والذي بلغ مجموعها عن طريق حسابات وزارتَي الخارجية والدفاع أكثر من 1.4 مليار دولار منذ العام 2005، وفقاً للقيادة المركزية الأميركية، منها 160 مليون دولار في العام الماضي وحده، معتبرة ان هناك تمييز واضح بين المستووين السياسي والعسكري ، وهو ما يفسر استمرار المساعدات رغم الملاحظات الكثيرة على اداء الطبقة السياسية والمؤسسات الدستورية غير المنتظم، اذ ان الاستقرار اللبناني لا يمكن ان يتحقق ويستمر في ظل غياب الدعمين العسكري والمادي للمؤسسات الشرعية اللبنانية التي تبقى الضمانة الوحيدة للدولة اللبنانية المسؤولة الوحيدة عن صيانة حرية وسيادة واستقلال هذا البلد.
من هنا، ترى الاوساط ان الفترة المقبلة ستشهد تعزيزا للمساعدات، خلافا لكل ما يتم تداوله، انطلاقا مما تقدم، بالتعاون مع دول اوروبية، لتأمين متطلبات وحاجات المؤسسات العسكرية والامنية اللبنانية، كخيار وحيد لمواجهة «حالة الفوضى» ومحاولات فرض امر واقع في لبنان، حيث بات لزاما على اللبنانيين السعي لاعادة ترميم هيكلهم المؤسساتي ،اولا من خلال الانتخابات النيابية الحرة والنزيهة، وثانيا تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بحصرية سلطة الدولة اللبنانية، وتأتي تحت عنوانها الاستراتيجية الدفاعية التي سمع الرئيس الحريري في لقاءاتها الجانبية على هامش مؤتمر اصدقاء لبنان في باريس من وزير الخارجية الاميركية كلاما واضحا في هذا الخصوص.