Site icon IMLebanon

أميركا لا تعارض فرنجيه ولا تقاوم وصوله

يبدو واستناداً إلى مراجعة دقيقة لحركة النائب سليمان فرنجيه منذ شغور سدّة رئاسة الجمهورية أنه لم “يضيّع وقته”، بل لاذ بالصمت ونفّذ خطّة قضت أولاً بالعمل لتحسين أدائه، ولدفع اللبنانيين إلى نسيان صورته الأساسية التي فيها “الكلام الكبير” والتجريح، ولإقناعهم بأنه ورغم عدم اتساع ثقافته بسبب اغتيال عائلته إضافة إلى تمجيد القوة والجرأة والسلاح يمكن أن يسدّ مع الشعبية الواسعة والدعم الخارجي الفراغ الثقافي. كما قضت الخطّة بإظهار أمرين أولهما أولوية مسيحيَّته بل مارونيَّته على غالبية الاعتبارات الأخرى ودورها في خياراته المحلية والاقليمية. وثانيهما تمتُّعه بعقل فطري سليم (bon sense) وبقدرة على تجاوز المرارات والأحقاد والميل إلى الانتقام.

وقضت خطّة فرنجيه ثانياً بعدم الاختلاف مع المرشح الرسمي لفريقه أي العماد ميشال عون وبالاستمرار في تأييده حتى يُنتخب أو يقتنع باستحالة ذلك حليفهما “حزب الله”. ونجح في ذلك رغم الفشل أحياناً في ضبط النفس، وخصوصاً في ظل نُصح “الحزب” له بتجنُّب الأزمة والتأزيم داخل الفريق الواحد. وقضت الخطّة ثالثاً بـ”الاستعانة على قضاء الحاجة بالكتمان” وبالاعتماد على فريق عمل قادر على التواصل مع الناخبين الكبار المحليين والخارجيين مثل أميركا وأوروبا والمملكة العربية السعودية. أما إيران الإسلامية فهو من أهل البيت فيها.

استناداً إلى ذلك كله يبدو أن خطّة فرنجيه حققت نجاحات واسعة وإن لم تصل بعد إلى خواتيمها المرغوب فيها. فالسعودية التي رفضت رئاسة العماد عون أواخر أيام الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز لم تمانع في رئاسته هو في عهد مليكها الحالي سلمان بن عبد العزيز، وطلبت منه ومن المسيحيين عموماً التفاهم. ويبدو ان المعلومات المتسرِّبة من الرياض انطوت على تناقضات كثيرة. فهي أكّدت في البداية رفضاً لفرنجيه، ثم أشارت إلى تباين حوله داخل العائلة. وعندما تبنّى جدّياً ولكن في صورة غير رسمية الرئيس سعد الحريري ترشيح فرنجيه تأكّد الجميع أن المملكة موافقة أو غير ممانعة. إذ لم يظن أحد أنه يستطيع الانفراد بموقف مهمّ كهذا.

أما الولايات المتحدة التي “يتَّهمها” البعض بتأييد رئاسة فرنجيه منذ كان ديفيد هيل سفيرها في بيروت، فإن المعلومات المتوافرة عن موقفها تشير أولاً إلى أن علاقة جيدة نشأت بين المرشح الزغرتاوي والسفير السابق. وثانياً إلى أنه التقى أكثر من مرة من خلفه الموقَّت في عوكر. وثالثاً إلى أن الولايات المتحدة ليست معارضة ولا مُقاوِمة لفرنجيه (Not Opposed) مثلما فعلت مع جدِّه عام 1988. كما أنها ليست من رشَّحه. ورابعاً إلى أن ما يهمها هو الجيش الذي تساعده والناجح في مهماته داخلاً وضد الإرهاب وفي الجنوب. وهي لا تمتلك ما يجعلها تعتقد أنه “سيضرب” الجيش أو يحدّ من حركته. وتقديرها للمؤسسة العسكرية ناجم من كونها تضمّ في صفوفها من كل اللبنانيين. وخامساً إلى أن أميركا لا تزال تعتبر “حزب الله” إرهابياً، لكنها لا تستطيع أن تنكر أن له تمثيلاً شعبياً واسعاً، ومصلحة في استمرار الجيش في مهماته الحالية، فضلاً عن أنه قاوم دائماً انتقال الحرب المذهبية من سوريا إلى لبنان، وسيعمل أي شيء يقدر عليه لمنع نشوبها. وسادساً إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد لن يستمر طويلاً، الأمر الذي يجعل من “أخوّته” لفرنجيه غير مؤذية للبنان. وتشير المعلومات نفسها سابعاً إلى أن أميركا تتساءل عن الذين دفعوا المرشّح فرنجيه إلى الارتماء نهائياً في أحضان الأسدين الراحل باسل والرئيس الحالي بشار. وتشير ثامناً إلى وجود أمر مشترك بين أميركا وإيران التي يتهمها رافضو رئاسة فرنجيه بأنها أخطر على لبنان من الأسد “المنهار” هو مكافحة الارهاب. وتشير المعلومات عن مواقف دول أوروبية أخيراً إلى أن ما يهمها هو المحافظة على الجيش وعلى مصرف لبنان، وأن ما يهمّ المجتمع الدولي هو عدم وقوع لبنان في الأسوأ وليس حل مشكلته الآن لارتباطها بسوريا.

الكرة الآن في ملعب “حزب الله” وايران. فهل يتمسّك الحزب بعون ويُنهي بذلك فرصة ملء الشغور الرئاسي؟ وهل يؤدي دعمه لفرنجيه إلى “انشقاق” عون وتخلّيه عن التحالف معه؟ أم يدفع إلى العودة إلى مرشّح توافقي فعلي؟ لا أجوبة متوافرة الآن، والمتوافر تناقضٌ بين أفرقاء يقولون “خلصت قوموا تنهنّي”، وآخرين يقولون إن نسبة رئاسة فرنجيه لا تتعدّى حتى الآن الـ40 في المئة.