السؤال الذي تختلف الأجوبة عنه باختلاف مصدرها هو: الى أين تذهب الدول العربية، أإلى تقسيم كما تعمل له اسرائيل، أم الى تقاسم كما تحاول أن تفعل أميركا؟
الواقع ان الولايات المتحدة الاميركية هي المسؤولة عن الفوضى التي عمّت عدداً من هذه الدول، وكانت قد وصفتها بـ”الفوضى البناءة”، وإذ بها تسقط أنظمة ولا تقيم أنظمة بديلة قادرة على حفظ الأمن والاستقرار لتنعم الشعوب بالراحة والبحبوحة والازدهار. وأسوأ ما في هذه الفوضى أنها ولَّدت العنف والارهاب ووضعت قوى الاعتدال في مواجهة قاسية مع قوى التطرف، وصار السؤال الذي لا جواب قاطعاً عنه هو: الى أين تسير الدول العربية، والى أين تسير منطقة الشرق الأوسط كلاً؟
في المعلومات ان أميركا تحاول وضع حدّ للفوضى باقامة حكومات وحدة وطنية تتمثل فيها كل القوى السياسية الأساسية في كل بلد كي تستطيع مواجهة العدو الأول المشترك للجميع ألا وهو الارهاب، حتى إذا ما زال تعود الأنظمة الى ممارسة دورها عبر انتخابات نيابية يقول فيها الشعب رأيه بحرية وينتخب من يريد ممثلاً له في كل سلطة من السلطات في الدولة، وعلى نتائجها تكون صورة الحكم والحكومة، فإما أكثرية تحكم وأقلية تعارض، وإما ائتلاف يجمع الأكثرية والأقلية في الحكم، وعندها تتقاسم الدول الكبرى أو المعنية النفوذ في المنطقة على أساس اتفاق “سايكس – بيكو” جديد. وهو ما تحاول أميركا ان تفعله في العراق وسوريا وليبيا واليمن وفي كل دولة تتعرض لما تتعرض له هذه الدول، إذ لا شيء يواجه الارهاب سوى الوحدة الداخلية القوية المتماسكة في كل دولة.
لكن اسرائيل تعمل من جهتها عكس ذلك، فهي مع بقاء الفوضى في كل دولة بحيث لا خروج منها إلا بتقسيمها لأن الانقسام السياسي والمذهبي الحاد داخل كل دولة لم يعد يسمح باقامة حكومات وحدة وطنية، ولا بالاتفاق على تقاسم النفوذ في المنطقة بين الدول المعنية كما تمّ التوصل في الماضي الى اتفاق “سايكس – بيكو” بعد حرب مدمرة. ولا شيء يدل الآن على أن هذا التقاسم لن يتم إلا بعد حرب لأن الارهاب وحده قد يكون المستفيد منها، لذلك لا بدّ من مكافحته والقضاء عليه قبل أي أمر آخر. ولبلوغ ذلك، لا بدّ من تحقيق وحدة وطنية حقيقية في كل دولة تجسّدها حكومات ائتلافية مهمتها الأولى مكافحة الارهاب ثم يصير البحث في المرحلة اللاحقة في ضوء وضع كل دولة. غير أن اسرائيل لا ترى خروجاً من الفوضى العارمة التي تضرب عدداً من الدول العربية إلا بتقسيمها مذهبياً وعرقياً كي يسهل عليها عندئذ إقامة الدولة اليهودية في منطقة تقوم فيها دولة شبيهة بها لأن لا مجال لإقامة مثل هذه الدولة وسط دول تتآلف فيها المذاهب وتتعايش فيها القوميات على اختلافها. ومع قيام دول مذهبية وعرقية في المنطقة، تصبح اسرائيل هي الأقوى بينها ولا تعود كما هي حالياً خائفة على أمنها وحتى على وجودها.
فأي من المخطَّطين الأميركي والاسرائيلي سينتصر؟
إن القاء نظرة على أوضاع كل دولة في المنطقة يبين أنها أقرب الآن الى التقسيم منها الى التقاسم. فالحرب في العراق بطابعها المذهبي وكذلك في سوريا واليمن وليبيا هي أقرب الى التقسيم. وما على المراقبين سوى انتظار من أي دولة يبدأ هذا التقسيم. وهذا يتطلب انتظار نتائج المساعي المبذولة لايجاد حلّ سياسي يُخرج كل دولة من الفوضى التي تتخبط فيها ويحول دون تجذّر الارهاب فيها فيصبح متعذراً مكافحته والقضاء عليه.
لقد مضت سنوات على الحروب في عدد من دول المنطقة ولم يتم التوصل بعد، على رغم كل المساعي العربية والدولية، الى حلّ سياسي لها. وفي انتظار نتائج المساعي المتجددة، ولا سيما في سوريا واليمن وليبيا، يطرح السؤال: أي خريطة ترسم للمنطقة. أخريطة تقاسم أم خريطة تقسيم؟ وفي رأي بعض المراقبين ان الخلاف على التقاسم قد يؤدي الى التقسيم كحلّ، وهو ما تخطط له اسرائيل منذ سنوات طويلة. وهذا ما جعل البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يبدي قبل مدة تخوفه من تفتيت دول المنطقة وقيام أنظمة أكثر تعصباً.