باشر الأميركيون الأسبوع الماضي عملية طويلة لاختيار رئيس جديد. ينقبون عن أفضل من يقود الولايات المتحدة ويخدم مصالحها أربع سنوات بعد انتهاء ولاية الرئيس باراك أوباما في نهاية 2016. لا يبدو أن لهذا الأمر قيمة، إلا من زوايا ضيقة، عند النواب اللبنانيين العاجزين منذ نحو 20 شهراً عن انتخاب خلف للرئيس ميشال سليمان.
يقف المرشحون الديموقراطيون والجمهوريون الآن “على خاطر” الناخبين الأميركيين. أعطت استطلاعات الرأي مؤشرات مهمة لما يتطلع اليه الشعب الأميركي. غير أن الإختبار الجدي الأول بدأ في ولاية آيوا. ينص نظامها الخاص على عقد 1681 “كوكاس” انتخابياً، وهو تجمع شعبي يمكن عقده – لكل من الحزبين على حدة – في مدرسة أو كنيسة أو ناد أو اتحاد نقابي أو حتى في أحد المنازل في وقت واحد موحد للتشاور بين العامة في شأن برامج المرشحين.
تعكس العملية التي أجراها الحزب الديموقراطي في إحدى كنائس العاصمة دي موين البعد الحقيقي لهذه العملية المتحضرة. تحدث مندوبو المرشحين الديموقراطيين طالبين دعم الناس. وقف كل مندوب عند زاوية محددة تجمع حوله المؤيدون. أما الذين لم يحددوا موقفهم أي مرشح يدعمون فيبقون في الوسط ليطلبوا المزيد من الإقناع، وهكذا دواليك الى أن تنتهي العملية بإحصاء مؤيدي كل من المرشحين.
لا أحد يمكنه التكهن بما ستكون عليه نتائج الإنتخابات غداً بولاية نيو هامبشير، وما إذا كانت ستحمل مفاجآت على غرار ما سجل في آيوا الأسبوع الماضي. هناك أظهر الإقتراع أنها أشد وقعاً من الإستطلاع. نافس بيرني ساندرز هيلاري كلينتون بشدة. انتزع تيد كروز الصدارة من دونالد ترامب الذي وجد ماركو روبيو ينافسه بحدة على المركز الثاني. الناخبون كالغربال يسقطون الأقل حظاً.
يبدو من المفارقات أن يتحمس اللبنانيون لهذا المرشح أو ذاك في السباق الى البيت الأبيض. أليس حريّاً بهم أن يبحثوا عن رئيس يملأ الفراغ في أرفع منصب في البلاد؟ ليس هنا مكان المقارنة غير المنصفة بين الولايات المتحدة ولبنان. بيد أن الأمر لا يتعلق أيضاً بمقاسات هذا البلد أو ذاك. الأميركيون واللبنانيون يتشاطرون من حيث المبدأ ايماناً عميقاً بقيم الحرية والديموقراطية والتنوع والمبادرة الفردية. يقدر كثيرون أن البلد الصغير يعيش على خطوط الزلازل والبراكين التي تلف محيطه الأقرب، وعمقه الأبعد. اتسع لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين والفلسطينيين وغيرهم ممن يتشردون في الشرق الأوسط. هذا ملجأ من يخنقهم الظلم في منطقة حلّت عليها لعنة الظلام منذ زمن بعيد. ينظر الأميركيون باحترام الى مواطنيهم المتحدرين من لبنان، لأنهم يساهمون بفاعلية في الريادة الأميركية.
بكّر اللبنانيون في الخروج من بلدهم الى أربعة أصقاع الأرض. غير أن العالم كله لا يفهم لماذا يتأخرون كل هذه الأشهر عن انتخاب رئيس.
هناك تفسير واحد، لبنان مخطوف.