Site icon IMLebanon

أميركا من الجنون.. إلى الواقعية

أوباما يستعيد أدق مراحل سياسته الخارجية: هكذا «تحرّرت» أميركا من مغامرة ضرب سوريا

إن الانتخابات الرئاسية الأميركية، ليست استحقاقا أميركيا وحسب، بل هي حدث وحديث العالم بأسره. فالرئيس الأميركي، هو الرئيس الرسمي للولايات المتحدة، والرئيس «الفعلي» لعشرات الدول في طول الكرة الأرضية وعرضها!.

تجري هذه الانتخابات الأميركية، في عالم يشهد أكثر من بركان. ففي مشرقنا، «ربيع عربي» متصدع.. واتفاق نووي أحدث تداعيات زلزالية.

في هذا «الربيع العربي»، لم يسقط النظام السوري، بل ربما سقطت الحرب العالمية على سوريا. وشكل الاتفاق النووي الإيراني ـ الغربي، هو الآخر، صدمة للمراهنين على ضرب إيران.

كل ذلك، أنعش سوق الرهان على الانتخابات الأميركية، املا بوصول بوش جديد، يقلب صفحة أوباما والديموقراطيين.

إن الرهان التركي والسعودي والقطري والإسرائيلي، بتغيير الادارة والسياسة الأميركية بات بمثابة خشبة خلاص لهذه الدول.

قد ينجح جمهوري، وقد ينجح ديموقراطي، ولكن ذلك لا يعني ان الجمهوري الجديد، هو بوش آخر، وان الديموقراطي هو أوباما جديد.

هذا الرهان، هو ساذج وتبسيطي، لأن السياسة لأي قوة كبرى أو عظمى أكثر تعقيداً.

لذلك، ومن اجل استقراء السياسة الأميركية المقبلة لا بد من نظرة أكثر عمقاً.

هل تتقرر السياسة الأميركية الخارجية، بمعزل عن المؤسسات ومراكز القوى الداخلية، وبعيداً عن معطيات العالم الخارجي؟

ثمة تجربتان أمام اعيننا، تلك العائدة لبوش، والأخرى العائدة لاوباما، فما هو جوهر واساس الخلاف بين التجربتين؟

يقدمون لنا بوش الابن، كقائد اسطوري، جاء لضرب «محور الشر»، وهو يدعي انه يخاطب الخالق مباشرة، وهو مكلّف منه بهذه «المهمة الرسولية».

أما أوباما، فهو في نظر «المحافظين الجدد»، وفي نظر حلفاء اميركا، في منطقتنا تحديدا، رجل ضعيف، متردد، جبان ويخون هؤلاء الحلفاء.

فهل صحيح ان الخلاف، بين سياسة الرجلين تعبير عن تباين ذاتي لكلا الرئيسين، أم ان الأمر ابعد من ذلك؟

إن اميركا بوش، هي أميركا سيدة العالم، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وغياب أي قطب آخر. هي اميركا «المحافظين الجدد»، بلا أمم متحدة، ولا حتى أوروبا. أما اميركا أوباما، فهي المثخنة بالجراح في أفغانستان، الغارقة في مستنقع العراق. اميركا الازمات المالية. اميركا مع روسيا المعافاة، بقيادة متوثبة إلى لعب دور مفقود، يجمع بين روسيا القيصرية وروسيا الشيوعية. اميركا مع صين ناهضة قطعت شوطاً كبيراً في دروب النمو والقوة العسكرية.

يأتي الرئيس الأميركي الجديد، وأمامه تجربة بوش من جهة، وتجربة أوباما من جهة أخرى، فإلى أين المفر؟

هل يذهب إلى جنون بوش أم إلى واقعية أوباما، التي لم تتخلَّ عن استراتيجية الهيمنة، بل غيّرت التكتيك؟

المتغير الوحيد بين رئيس وآخر، هو التكتيك.

الجنون الأميركي، ليس جنوناً شخصياً، بل جنون المصالح الكبرى، من لوبيات سلاح ونفط ودواء ومصارف وشركات عملاقة، مقروناً بقوة عسكرية هائلة.

ان صاعق هذا الجنون، هو غياب التوازن في موازين القوى العالمية.

ان واقعية أوباما مبنية على إيقاع الحسابات الدقيقة للمؤسسة العسكرية، فالجيش الأميركي هو الذي دفع الثمن باللحم الحي، على مذبح مصالح الطغمة المالية، وهستيريا «المحافظين الجدد».

والواقعية الأميركية، لا تعني التخلي عن الطموحات ـ الأطماع، بل انه عبر الدروس المستفادة من تجاربها تذهب إلى مقاربات أخرى.

ان «داعش» ورقة رابحة، وخصوصا في العراق، حيث البنية الحاضنة، والجغرافيا المثالية. بيئة انتصرت بالحرب، او بالمقاومة، وهُمِّشَت في السياسة.

تفكك العراق أكثر، وانقطع حبل السرة بين إيران والعراق وسوريا، وازدادت الصورة السورية تعقيدا، فكان القرار الروسي بالتدخل عسكريا لمدة زمنية محددة.

وهكذا بعد هزيمة السعودية في سوريا، وغرقها في مستنقع اليمن، ذهبت إلى إسرائيل.

ولعل أهمية الحملة الروسية قبل القرار الأخير بسحب القوات تدريجيا، أنه جعل الجيش السوري ينتقل من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم.

عند هذا الحد، كان على أوباما، اما ان يعود إلى جنون بوش في غياب الشروط المؤاتية أو يذهب إلى واقعية الحد من الخسائر.

لذلك، كان جوابه الواضح والصريح، والناصح للرئيس الأميركي المقبل، في سطور حديثه إلى مجلة «ذي اتلنتيك»: لا مغامرات، لا تورط، تحذير من الأصدقاء والحلفاء.

هل قرأت تركيا والسعودية وقطر وإسرائيل جيدا كلام أوباما؟

لننتظر من هؤلاء الكف عن الأحلام والرهانات، وبالتالي العودة إلى العقل، «فالعقل زينة، وان كانت صاحبته حزينة»!..