ظنّ العرب والمسلمون في البداية، بعدما صارت بلدانهم مسارح للإرهاب والحروب المذهبية، أن “التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب” الذي أنشأته أميركا وتزعمته سيضع حداً لكل ذلك.
لكن هذا الظن بدأ يخيب بعض الشيء لاعتبارات كثيرة بعضها أميركي وبعضها اقليمي. لذلك كله كانت ضرورية محاولة معرفة رؤية أميركا من متابعين جديين في واشنطن. وما قاله هؤلاء لم يكن مريحاً. قالوا إن أميركا عالقة وسط صراع كبير بين الفرعين الرئيسيين للديانة الأكبر في المنطقة أي المسلمين السنّة والشيعة. والمشكلة تكمن في إنكار أبناء المنطقة ودولها هذه الطبيعة المذهبية للصراع. وقالوا أيضاً إن نحو 20 مليون من السنّة في العراق وسوريا محرومون من حقوقهم الطبيعية الكثيرة. بعضهم يدعم التنظيمات الأصولية السنّية المتطرفة حتى التكفير، وبعضهم الآخر يقبل على مضض وجودها ودورها العسكري، لكنهم ليسوا مستعدين لمحاربتها. وقالوا ثالثاً إن الأنظمة المتنوعة في المنطقة تعترف بأن التيارات المشار إليها صارت تهديداً مباشراً لهم. لكن شعوبها تدعمها وتؤيدها، وترى أنها سلاحها الوحيد والأكثر فاعلية ضد الأقلية الشيعية سواء كانت عربية أو غير عربية. وأكثر ما يصح ذلك في بلاد الرافدين (أي العراق). وقد ركّزت إدارة أوباما استراتيجيتها على هذا الواقع. وقالوا رابعاً إن الحكومة العراقية الجديدة برئاسة الدكتور حيدر العبادي ليست بعد شاملة كل “مكوِّنات” الشعب أو بالأحرى الممثلين الفعليين لها، وإن ثقة الأقلية السنّية (العربية) وخصوصاً عشائرها بها لا تزال غير موجودة. وما تريده هذه العشائر هو تأسيس ميليشياتها المسلّحة لمواجهة الميليشيات المسلّحة للأكثرية الشيعية التي صارت منخرطة في عملية منظمة لإزالة الوجود السنّي من العاصمة بغداد أو ضواحيها ومن جنوب العراق أيضاً إذا استطاعت ذلك. وقالوا خامساً إن التيارات المتطرفة (السنّية) تقضي بتطويق (حصار) بغداد وذلك لإجبار السلطات الحكومية على إبقاء الوحدات العسكرية النظامية الحسنة التدريب والتجهيز فيها بغية المحافظة عليها، وايضاً بغية منعها من محاولة استعادة المناطق التي استولى عليها “داعش”. أما الوحدات الأخرى في الجيش العراقي فتحتاج إلى تدريب كثير لا يمكن أن يتم إلّا خلال سنوات. وما يزيد الأوضاع سوءاً في العراق هو استمرار فرار عناصر من جيشه النظامي إما لعدم رغبتهم في مقاتلة المتطرفين (السنّة) وإما رغبة في الانضمام إلى ميليشيات تحمي مناطقهم. ويفسّر ذلك استمرار سقوط القواعد العسكرية. وعلى هذا فإن أميركا تجد نفسها والمنطقة قريبة من حرب قد تدوم 30 سنة، وصار واضحاً أن نهايتها ستكون مثل النار أي تنتهي بانتهاء المواد التي “ولّعت” النار. وقالوا سادساً إن العشائر السنّية تريد أميركا إلى جانبها قبل أن تنتقل إلى مقاتلة متطرفي السنّة. وهذا أمر لن يفعله أوباما. ذلك أن هدف أميركا قد يختلف عن أهداف الأنظمة السنّية في المنطقة، وهي تحتاج إلى القضاء على المتطرفين الإرهابيين قبل أن يصبحوا أكثر قوة، وقبل أن يؤسسوا امبراطورية لن يكون من السهل تقليص حجمها أو قوتها أو ضربها. وقد أصبح هؤلاء أكثر خطراً من “القاعدة” و”الطالبان”. لكنها لن تقوم بهذا العمل بواسطة قواتها المسلّحة. بل تريد قيام ائتلاف من جيوش اقليمية نظامية به. ولا يبدو ذلك متاحاً الآن، لأن الدول الاقليمية هذه تطلب من أميركا أيضاً القضاء على نظام الأسد في سوريا وفي مقدمها تركيا والسعودية. وهي ترفض ذلك اليوم لكنها قد تقبله مستقبلاً إذا احتاجت إلى ذلك. وقالوا سابعاً إن روسيا بدأت ترى الخطر الإرهابي عليها. فعدد المتطوعين في صفوف “داعش” وغيره من الروس كبير. وإذا عادوا إلى بلادهم سيؤذونها كثيراً. فهل أوباما مستعد لتغيير مواقفه؟ والجواب الأميركي عن ذلك هو: كلا حتى الآن. وقالوا ثامناً إن إيران صارت مقتنعة بالاحتفاظ من العراق بالعاصمة والجنوب الغني بالنفط وبالاستمرار في دعم الأسد. ولا تبدو مؤيدة لتحرير المناطق المحتلة من “داعش” بواسطة الجيش النظامي العراقي، وهي تعتبر أن ذلك هو مشكلة أميركا وحلفائها في المنطقة.
كل ذلك يعني في نظر المتابعين أنفسهم أن أميركا في طريق مسدودة وأن المخرج منه يتوقف على المفاوضات النووية بين مجموعة الـ 5+1 وإيران.