IMLebanon

أميركا تستعدّ لمغامرة روسية في أوروبا؟

أشار “الموقف هذا النهار” قبل مدة قصيرة إلى ارتباط ما بين ما تقوم به روسيا في سوريا والعلاقة المشدودة بينها وبين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بسبب العقوبات التي فرضها الأخيران عليها بعد احتلالها شبه جزيرة القرم الأوكرانية وضمّها إليها رسمياً، وبعد مساندتها السياسية والعسكرية للروس الأوكرانيين في الجزء الشرقي من أوكرانيا سواء من أجل الانفصال عن دولتهم أو من أجل إقامة إقليم لهم يتمتع بالحكم الذاتي. وأشار في الوقت نفسه إلى أن هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الضغط الذي يمارسه عسكرياً في سوريا على أميركا وأوروبا، وعلى حلفائهما من العرب المعادين للرئيس الأسد ونظامه بل المقاتلين ضده بالواسطة حتى الآن، قد يكون دفعهما إلى رفع العقوبات أو التخفيف منها. وأشار أخيراً إلى أن الغربين الأميركي والأوروبي لا يستبعدان إقدام الرئيس بوتين المغامر في رأيهما، على عمليات في أوروبا ذات طابع أمني أو عسكري تؤذيهما في الصميم، وقد دفع هذا الأمر دوائر عدة دولية وإقليمية إلى التساؤل إذا كان هو من يخيف الغرب بشقيه أو هما من جعلاه يشعر بالخوف.

لماذا العودة إلى هذا الموضوع الآن؟

لأن رئيس وزراء الدولة الروسية دميتري ميدفيديف قال وبشيء من التأكيد في مؤتمر ميونيخ الأخير إن “الحرب الباردة” بين بلاده وأميركا قد عادت. ولأن ذلك يعني أن العالم كله وخصوصاً حيث الاضطرابات والثورات والحروب الأهلية المندلعة قد يكون ساحتها، ولأن أوروبا وخصوصاً بعدما انضمت إليها غالبية دول الجزء الشرقي منها التي كانت جزءاً من المعسكر السوفياتي (الروسي) سواء برضى شعوبها أو بضغط من الأجهزة الأمنية الحزبية فيها المُسيّرة من موسكو، لأن أوروبا هذه قد تغري “قيصر” روسيا بتحدي أميركا والاتحاد الأوروبي، بعدما شعر أن تحديه للأولى قد نجح في الشرق الأوسط سياسياً وفي سوريا عسكرياً. ومن شأن ذلك أن يدفع المسؤولين في واشنطن والعواصم الأوروبية إلى التحرّك في سرعة للمواجهة. علماً أن هؤلاء تحرّكوا في هذا الاتجاه بعد “اعتداء” روسيا على أوكرانيا وانتهاكها سلامة أراضيها وسلمها الأهلي، وذلك من خلال العودة إلى تخزين الأسلحة والمعدات الأميركية على تنوّعها في أوروبا استعداداً لمواجهة يشعرون أو يخافون أن يفرضها عليهم بوتين في أوروبا، ويحرصون على إفشالها أياً تكن أثمان ذلك. طبعاً لا بد أن يثير موقفاً كهذا حلفاء أميركا من العرب الذين استفزّهم تجاهل إدارة الرئيس باراك أوباما مخاوفهم وهواجسهم فدفع في اتجاه التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران يخفف عزلتها الدولية، ويرفع عقوبات كثيرة عنها ويسمح لها بالاستمرار في ممارسة دور إقليمي يعتبرونه مهدداً لهم. لكن إثارة كهذه لا تنفع وكذلك التصرّف الإنفعالي، فالشرق الأوسط على أهميته لأميركا ليس بأهمية أوروبا حديقتها الخلفية.

وفي هذا المجال، يبدو أن البحث وعلى كل المستويات في طرق مواجهة الخطر الروسي المحتمل على أوروبا قد بدأ في واشنطن وخصوصاً بعد إعلان ميدفيديف عودة الحرب الباردة. فالمسؤولون فيها يحاولون معرفة إذا كان ذلك مقدمة لمزيد من المغامرات الروسية.

وقد تكون إحداها احتلال مفاجئ وسريع لدول البلطيق الثلاث. وروسيا قادرة على ذلك قبل أن يتمكن “حلف شمال الأطلسي” من القيام بأي شيء. وفي حال كهذه هل يعمد “الحلف” إلى محاولة تحريرها بالقوة العسكرية أي بعملية كبيرة وواسعة النطاق؟ أم يلجأ أعضاؤه إلى فرض عقوبات جديدة على موسكو وفي الوقت نفسه إلى حشد قوات أميركية عسكرية كبيرة في شرق أوروبا حماية لها ولغربها، أو ربما استعداداً لمواجهة معها؟ طبعاً لا أحد يمتلك أجوبة عن هذين السؤالين. لكن موازنات الدفاع في “الحلف” المذكور تتضخم في سرعة كبيرة ويرافقها حشد قوات في دوله ومضاعفة تخزين المعدات العسكرية والأسلحة، بحيث تقترب من المستوى الذي كانت عليه أيام “الحرب الباردة” السابقة. طبعاً يأمل المسؤولون في أميركا وأوروبا أن لا يكون بوتين مجنوناً لأن العاقل لا يقوم بالأمور المذكورة أعلاه. لكنه نتاج روسيا السوفياتية، ولذلك فإنه قد يعتقد كما في الماضي أنه لا يستطيع استعادة عظمة روسيا كقوة عظمى إذا لم يُعادِ الغرب ويشاكسه ويتحارب معه مباشرة أو بالواسطة.

هل من انعكاسات أو مضاعفات للموقف الروسي الرسمي (حرب باردة) على ما يجري في سوريا وعلى الجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية وفي الوقت نفسه على إسرائيل؟