لا تزال إدارة الرئيس باراك أوباما تقول عندما تُحشر بأسئلة مباشرة عن موقفها من الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه في ضوء التطورات الخطيرة في العراق وسوريا إنه فقد شرعيته كرئيس لبلاده وإن عليه التنحّي ليس بانتصار عسكري عليه بل بتسوية سياسية يشارك في وضعها مع المعارضة السورية المعتدلة وآخرين. ولا تزال الأمم المتحدة تسعى إلى تذليل العقبات أمام تفاوض الأطراف الداخليين للحرب في سوريا على تسوية تنهيها برعاية حلفائهم الاقليميين ورعاتهم الدوليين. في هذا الإطار كانت قبل يومين الزيارة الثانية لموفد الأمم المتحدة الخاص إلى دمشق ستيفان دو ميستورا واجتماعه برئيسها بشار الأسد. والفرق بين الزيارتين أن الأولى كانت للتعارف ولاستشراف المواقف السورية الرسمية لمعرفة إذا كان التحرُّك المجدي ممكناً، في حين أن الثانية كانت للبحث في خطة مرحلية تحدّث عنها دو ميستورا مع الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن تقضي بتجميد العنف في حلب، الأمر الذي يفسح في المجال أمام مصالحات محلية ومعالجة الأوضاع الإنسانية المتدهورة كما أمام الإعداد الجدي لاستئناف التفاوض السياسي. ويبدو من التصريحات التي نقلت عن المسؤولين السوريين أن الرئيس الأسد وجد اقتراح دو ميستورا جديراً بالدرس.
هل ينجح المبعوث الأممي الجديد دو ميستورا حيث فشل المبعوث العربي – الأممي السابق الأخضر الإبرهيمي؟
يتوقف ذلك في رأي باحث أميركي جدي على وجود إرادة وعزيمة قوية عند المجتمع الدولي والأطراف الاقليميين لإخراج سوريا من حربها الأهلية المأسوية. وإذا لم تتوافر فإن حربها ستكون طويلة جداً لا تنتهي إلا بانطفاء نارها من تلقاء نفسها أي بعد تحويلها، هذه الدولة التي كانت تعتبر قلب العالم العربي، رماداً. ذلك أن تطور أزمتها أظهر في وضوح أنها تختلف عن الحرب الأهلية اللبنانية على رغم أن هذه استمرت نيّفاً و15 سنة. وينبع الاختلاف من أن المنطقة الحالية تمر في هشاشة غير مسبوقة بحيث أصبحت قابلة لـ”العطب”، وفي أن أطراف الحرب هم أعداء إقليميون مشبّعون بالمرارة والحقد الأمر الذي أنتج صيغة للإرهاب غير مسبوقة بعنفها ووحشيتها.
وحتى الآن لا تبدو الأوضاع ناضجة للحلول، فالذي حصل أن “الربيع العربي” الذي تحوّل شتاء عاصفاً ودموياً أطاح النظام الاقليمي. لكن انهياره كاملاً يتطلب وقتاً، كما تتطلب وقتاً أطول إقامة نظام جديد. ذلك أن الوقائع على الأرض والأحداث والحروب والدماء هي التي ستحدد ملامح النظام الجديد ومعها طبعاً مصالح الكبار في العالم وفي مقدمهم زعيمته الأحادية حتى الآن الولايات المتحدة. ولا يفيد هنا القول صبحاً ومساء أن هذه الزعيمة بدأت مرحلة الانحدار، وأنها ستصل إلى مرحلة إفلاس كاملة جراء نظامها المالي والاقتصادي وسوء استعماله، وأنها ستخسر الحرب الباردة التي تجدّدت بعد إحكام فلاديمير بوتين رئيس روسيا سيطرته عليها منذ أكثر من ثلاث ولايات رئاسية، وأن الصين ستكون المواجه الفعلي والناجح لها مستقبلاً، وأن دول “البريكس” ستؤثر في مصير العالم مستقبلاً على النحو الذي فعلته مجموعة دول عدم الانحياز، وأن العالم العربي – الإسلامي بسنّته وشيعته لن يعود أبداً منطقة نفوذ غربي وخصوصاً أميركي. ذلك أن الأمور المذكورة أعلاه كلها على صحة بعضها الجزئية وعلى التوهّم الظاهر في بعضها الآخر لا تلغي حقائق أساسية. منها أن روسيا لا تستطيع الانتصار في الحرب الباردة لأن وضعها الاقتصادي ليس مزدهراً، ولأن عملتها تنخفض تدريجاً، ولأن بناها التحتية في حاجة ماسة إلى إصلاح أو إعادة بناء، ولأن لا مدخول لها أساسياً إلا النفط الذي تنخفض أسعاره، ولأن الولايات المتحدة ستستعمله مع التورط في أوكرانيا لجعل بوتين يصاب بالفشل. والصين كدولة كبرى ستصبح قطعاً عظمى ولكن بعد وقت طويل، ولن يكون ذلك على حساب عظمة أميركا. أما العالم العربي – الإسلامي فان ما يجري فيه هو أن دوله وشعوبه تستنزف نفسها، وتستنزفها في الوقت نفسه أميركا والغرب عموماً وحتى روسيا. وذلك سيؤذيه كثيراً بكل أطرافه المتصارعين.
لذلك ربما يكون من الأجدى للبنانيين أن يتحركوا بحكمة وسط العواصف الهابّة حولهم والتي تتجه مصادفة أو عمداً نحوهم. علماً أن الأمل في ذلك ليس كبيراً. والتجارب السابقة خير دليل.