IMLebanon

أميركا لإيران بموافقة روسية: برّا!

أخيراً، أعلن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بوضوح عن «الخط الأحمر» الذي على الجمهورية الإسلامية في إيران، عدم تجاوزه، عنوان هذا الخط: «لن تكون إيران بعد الآن مطلقة اليد في الشرق الأوسط». السؤال: كيف يمكن تنفيذ هذا القرار؟

من الثابت والمؤكد، أن الولايات المتحدة الأميركية، لا تريد الدخول في حرب محدودة ولا شاملة مع إيران. لا تريد واشنطن كسر «اليد» الإيرانية، بل المطلوب أن تكف يدها عن التدخل حيث ترغب وبكل الطرق. الإدارة الأوبامية أعطت «النظام الخامنئي» الكثير وأكثر مما يستحق. المرشد آية الله علي خامنئي، المأخوذ بعد ثلاثة عقود من السلطة المطلقة، بعقدة شخصية من الصعب معالجتها، وهي أنه لم يتمكن من الوقوف شامخاً أمام هامة الإمام الخميني ومعادلتها فاستعجل كثيراً في تقديم نفسه أمام الإيرانيين بأنه المرشد الذي مدَد حدود إيران الى أبعد بكثير مما كان يتصور الإمام الخميني عندما وضع مبدأ «تصدير الثورة».

المشكلة الثانية الخارجة من تاريخ إيران الحديث، أن قبول الرئيس باراك أوباما، بإطلاق حرية اليد الإيرانية في محيطها، لم يكن تسليماً لها بالتحول إلى قوة منافسة للولايات المتحدة الأميركية من جهة، وقوة مقررة في صياغة جديدة للشرق الأوسط من جهة ثانية. الشاه محمد رضا بهلوي لم يكن شخصية استثنائية رغم كل سلطته المطلقة وجيشه الرابع في العالم، استوعب في العمق حدود قوته بحيث لم يتجاوزها مهما بلغت المغريات أمامه. عرف دائماً أن أمامه خطوطاً حمراء عليه ألاّ يتجاوزها. يكفي لذلك أن يعرف الآخرون أنه قوي وقادر ولا داعي لاختباره أو استفزازه.

المرشد خامنئي رغم أنه عاش الحرب مع العراق وهو في قمة السلطة، إلا أنه أراد تجاوز الهزيمة التي وقعت بسبب تحالف واسع لم يُعلن رسمياً عنه، في إسقاط كل الحدود بواسطة «الحرس الثوري». قام خامنئي «برشوة الحرس»، في منحه حق اقتحام القطاع الاقتصادي والتمدد فيه حتى أصبح الاقتصاد الإيراني تابعاً للحرس فازدادت «شهيته على لحس المبرد» أي مبادلة انتشاره الاقتصادي في تنفيذ طموحات المرشد والذي التفّ حوله العديد من المساعدين والطامحين للصعود في سلم السلطة والتحضير لموقع لهم في ما بعد.

الكارثة الكبرى في كل هذه السياسة، أن المرشد علي خامنئي وكل مساعديه ومنهم علي ولايتي الذي كان وزيراً للخارجية لأكثر من عشر سنوات، لم يتعاملوا مع حدثين بواقعية:

* الحدث الأول: أغفل المرشد خامنئي نتيجة الانتخابات الرئاسية وانتخاب حسن روحاني بأغلبية شعبية مهمة، واستمر في سياسة الضغط وكان رأي الشعب الإيراني بالاعتدال والانطلاق في سياسة حوار نشط لا تأثير له على السياسة الإيرانية.

* الحدث الثاني: انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة ومدى انعكاس هذا على القرار الأميركي داخلياً وخارجياً.

أيضاً وهو مهم، أن إسقاط الحل العسكري في المواجهة لا يعني مطلقاً غياب أي حل آخر. دائماً يوجد بديل لغياب الحل العسكري وهو «الحرب الناعمة». وهي تأخذ في هذا الزمن أشكالاً وطرقاً متنوعة وعديدة ومؤثرة على الجبهة الداخلية. أهم سلاح وأخطره هو «السلاح الاقتصادي». قدرة طهران على مواجهة المقاطعة الاقتصادية طوال السنوات الماضية جعلتها تطمئن إلى قدرتها على المقاومة تحت بند «الاقتصاد المقاوم». السؤال الآن: إلى أي مدى سيصبر الشعب الإيراني على المقاطعة والحصار؟

ربما الحرب المصرفية هي من أمضى الأسلحة في الحرب الاقتصادية.. خلال الفترة المقبلة لن تتمكن إيران من التعامل مصرفياً مع العالم. جميع عقودها مع الشركات والدول، موضع مراقبة وشطب إذا تجاوزت الشروط المفروضة. الشركات الأوروبية التي لا ترغب فعلاً بالانخراط في أي حرب مقاطعة جديدة، لا يمكنها مقاومة الموقف الأميركي من أجل إيران. أوروبا تتعامل مع الولايات المتحدة الأميركية بعقود تبلغ قيمتها 450 مليار دولار في حين أن عقودها مع إيران تصل الى 15 مليار دولار. الخلل ضخم ولا يمكن تعويضه، خصوصاً أن واشنطن هددت «بأقوى عقوبات في التاريخ».

الخطوة الأولى في لملمة إيران لطموحاتها بالهيمنة على الشرق الأوسط تكمن في الانسحاب.. الانسحاب من سوريا مع كل عملائها من الميليشيات، ورديفها «حزب الله». طهران أكدت أنها «لن تنسحب». جنرالات أميركيون أكدوا في اجتماعات جانبية، أن الضرب على الوجود الإيراني في سوريا سيستمر حتى ينغرس «المسمار الإيراني إلى العمق الأقصى». كلما ضُربت القوات الإيرانية وميليشياتها في سوريا وتراجع الرد الإيراني وتقلص، خسر من وزنه أمام الشعب الإيراني أولاً. إفقاد «الحرس الثوري» مصداقيته داخلياً وخارجياً، سيجبره عاجلاً أو آجلاً على تقليص وجوده مهما اعترض وقاوم.

«القيصر» فلاديمير بوتين، استوعب «الرسالة» الأميركية، فاستدعى بشار الأسد إلى سوتشي لإبلاغه ضرورة الطلب من إيران سحب قواتها والعمل على صياغة دستور جديد والاستعداد لانتخابات رئاسية جديدة (غير مضمونة له) قبل انتهاء مدته الرئاسية في العام 2021.

طهران رفضت قبل أن يصلها الطلب السوري. لكن، ماذا تستطيع أن تفعل في مواجهة موقف روسي رافض لدورها ووجودها. في النهاية، فضّلت موسكو التفاهم مع واشنطن حول سوريا، لأن الحل الروسي – الأميركي المشترك يفتح الباب أمامها لتفاهمات واسعة وأشمل استراتيجياً وأنفع اقتصادياً أكثر من التعلق بتحالف مُتعب ومُتطلب مع إيران.

«قطار» الحل السياسي في سوريا أصبح موجوداً في المحطة الأولى. مسألة انطلاقه تنتظر صفارة الانطلاق وهي لم تعد بعيدة.