“مسؤول أميركي بارز شدد في إتصالاته الأخيرة مع دول عربية حليفة على ان العقبة الحقيقية في المفاوضات النووية الإيرانية – الأميركية – الدولية هي ان القيادة الإيرانية تجد صعوبة قصوى في الرضوخ للشروط القاسية التي تفرضها مجموعة الدول الست عليها وتلزمها تقديم تنازلات جوهرية غير مسبوقة من أجل توقيع إتفاق نووي نهائي شامل يضمن سلمية برنامجها النووي وتجعلها تتخلى عن كل النشاطات والعناصر التي يمكن أن تسمح لها لاحقاً بإنتاج السلاح النووي. وهذه العقبة يمكن أن تنسف المفاوضات وتمنع توقيع الإتفاق النهائي”. هذا ما قاله لنا مسؤول أوروبي بارز في باريس معني بالملف النووي.
وأوضح ان إدارة الرئيس باراك أوباما قدمت الى عدد من حلفائها العرب والإقليميين الضمانات والإيضاحات الآتية المتعلقة بالمفاوضات مع إيران التي دخلت في مرحلة حاسمة:
أولاً – إن إيران الضعيفة نووياً تشكل مصلحة أميركية وان الهدف الجوهري للتفاوض معها ليس تعزيز قدراتها ونفوذها بل تطويق برنامجها النووي بقيود وإجراءات دولية مشددة وصارمة تنهي طابعه العسكري وتضمن طابعه السلمي وتمنع النظام في طهران من استخدام قوته النووية من أجل فرض هيمنته وشروطه على دول أخرى.
ثانياً – أي إتفاق مع إيران يجب أن يكون مقبولاً لدى حلفاء أميركا. وإدارة أوباما لن تعقد صفقة مع إيران في شأن برنامجها النووي تحقق المصالح الحيوية والاستراتيجية لطهران وتعزز دورها الإقليمي على حساب الدول الحليفة لواشنطن، بل ان المفاوضات تهدف الى تجريد البرنامج النووي من كل المكونات التي يمكن أن تسمح للإيرانيين بامتلاك السلاح النووي، وعلى أساس أن يتحقق ذلك في إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفي ظل الرقابة المشددة للدول الكبرى. وتحقيق هذا الهدف سلمياً يعزز الأمن والإستقرار في المنطقة ويشكل حماية لدولها من أخطار إمتلاك إيران القدرات النووية المسلحة ومن احتمالات نشوب حرب.
ثالثاً – المفاوضات الأميركية – الدولية مع إيران ليست قائمة على الثقة المتبادلة لأنها مفقودة، بل ان مجموعة الدول الست تتمسك بالحصول على التزامات وتعهدات رسمية محددة وتريد فرض إجراءات وخطوات مشددة قاسية على الإيرانيين تضمن سلمية برنامجهم النووي. وهذه الإجراءات تشمل إخضاع كل المنشآت والمواقع النووية الإيرانية وما يرتبط بها للرقابة الدولية المشددة والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقيام بزيارات منتظمة ويومية للمواقع التي يريدون تفقّدها، وتجميد العمل في البرنامج النووي في مستواه الحالي مدة عشر سنين على الأقل، وضمان امتلاك إيران كمية محدودة من الأورانيوم المنخفض التخصيب غير قابلة للإستخدام العسكري. إضافة الى ذلك، تتمسك الدول الست برفع العقوبات الدولية القاسية المفروضة على إيران تدريجاً وعلى مراحل وخلال فترة زمنية قد تمتد سنوات من أجل ضمان تنفيذ الإلتزامات المنصوص عليها في الإتفاق النهائي في حال إنجازه وتوقيعه.
رابعاً – منع إيران من امتلاك السلاح النووي مصلحة حيوية واستراتيجية وأمنية للولايات المتحدة لأن إيران المسلحة نووياً تطلق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط وتهدد الأمن والإستقرار الإقليميين والدوليين وتشكل خطراً حقيقياً على المصالح الأميركية. والإدارة الأميركية ليست في حاجة الى ضغوط عربية أو إسرائيلية من أجل إقناعها بضرورة التشدد الى أقصى حد ممكن في تعاملها مع الملف النووي الإيراني.
خامساً – القيادة الإيرانية لم تتخذ حتى الآن القرار الاستراتيجي الصعب القاضي بتخليها فعلاً وفي إشراف دولي عن طموحاتها النووية الكبيرة، بل انها تحاول التمسك بمكونات وعناصر في برنامجها النووي قد تسمح لها لاحقاً بإنتاج السلاح النووي. والمفاوضات مع الإيرانيين أشد صعوبة وتعقيداً مما تنشره وسائل الإعلام واحتمالات الفشل أمر وارد جدياً إذ ان أميركا والدول الأخرى ترفض توقيع الإتفاق النهائي مع إيران قبل التفاهم على كل القضايا العالقة التي تضمن سلمية برنامجها النووي. وهذا لم يحصل حتى الآن.
سادساً – أميركا لن تسعى في أي حال الى تقاسم النفوذ في المنطقة مع إيران ولو أدت المفاوضات الى توقيع إتفاق نووي نهائي. فالتناقضات والخلافات حيال القضايا الإقليمية عميقة وكبيرة بين الأميركيين والإيرانيين. والإدارة الأميركية تتمسك بضرورة تعزيز وتطوير علاقاتها مع الدول الخليجية والعربية المعتدلة في المنطقة في المجالات الحيوية وترى ان ذلك ضروري من أجل تطويق أي طموحات إيرانية توسعية محتملة وتأمل في أن تنجح لاحقاً في بناء جسور تقارب وتفاهم بين العرب والإيرانيين من أجل ضمان الإستقرار والسلام في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية. وإدارة أوباما مستعدة لتطبيق الإجراءات الأمنية الضرورية لحماية دول المنطقة من أي تهديدات إيرانية، وتدرس جدياً ضمن هذا النطاق تشكيل مظلة حماية نووية لها في حال توقيع الإتفاق النووي مع إيران.