يُراقب الجميع حركة السفيرة الأميركية الجديدة دوروثي شيا وجولتها على المسؤولين وسط حديث عن نية واشنطن إحياء الجبهة المعارضة لـ”حزب الله” والعهد.
يؤكّد مطلعون على السياسة الأميركية أن كل ما يحكى عن مسعى أميركي لإحياء “14 آذار” لا أساس له من الصحة إطلاقاً، وهم ليسوا في وارد القيام بأي مبادرة لإعادة جمع الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط وبعض الأحزاب والشخصيات في تجمّع معارض موحّد.
وفي السياق، فإن كل ما أشيع عن جولة السفيرة الأميركية الجديدة على القادة هو كلام غير دقيق، وهي جولة لديبلوماسية إستلمت مهامها حديثاً وتريد التعرّف على المسؤولين وستشمل معظم القيادات وليس المعارضة فحسب. وينقل من التقتهم أن “اللقاء مع الديبلوماسيين هو لقاء عام حيث كانت لديها أسئلة محددة وعرضنا نظرتنا للواقع”، وبالتالي فان لقاء السفيرة مع كل من جعجع وجنبلاط لم يخرج عن هذا السياق البروتوكولي.
والتطوّر الجديد بالنسبة إلى التعاطي الأميركي في الملف اللبناني حسب المعلومات هو أن ما يريدونه باتوا يطلبونه بالمباشر وليسوا بحاجة إلى وسطاء بل يضغطون لتحقيقه، وما قضية عامر الفاخوري إلاّ تعبير عن نمط تصرفهم، فهم يتصرفون على قاعدة “إننا نريد هذا الشيء فسنحققه، وهم يعرفون كيف يحصلون على طلباتهم عبر الضغوط”.
ومن جهة أخرى، لا يفصل الأميركي الوضع اللبناني عن الوضع الإقليمي والدولي المترابط، وتريد واشنطن الحفاظ على الستاتيكو القائم في لبنان بانتظار إنضاج الوضع الإقليمي في المنطقة وانتهاء صراعها مع طهران.
أما بالنسبة إلى التدخل الاميركي في لبنان، فهم يتدخلون عندما يكتشفون أن هناك تهديداً لمصالحهم أو للخط العام المرسوم، فهم تدخّلوا في قضية قبرشمون عندما استشعروا أن هناك انقلاباً كبيراً في البلد يقوده المحور الموالي لطهران.
ومن جهة ثانية، فإن الثابت الأساسي لدى الأميركيين هو مسألة المال والمصارف لأنهم يعتبرونها جزءاً من الحرب على الإرهاب وتمويله، ويريدون أن يضبطوا مصادر الأموال لذلك فإن قرارهم استراتيجي في هذا الشأن.
أما الملف الأساسي الذي يعيره الأميركيون اهتماماً فهو مسألة الجيش اللبناني وتسليحه والتعاون معه، وسط الرضى التام عن أدائه إن كان في مكافحة الإرهاب أو حتى تعامل قيادة الجيش مع الملفات الداخلية الحساسة، خصوصاً أن تعاونهم استراتيجي مع المؤسسة العسكرية. وتكشف المعلومات أن الأميركيين لا يريدون تضييع وقتهم في الخلافات الداخلية اللبنانية، بل إنهم يتعاطون بنظرة استراتيجية شاملة، فليس طموحهم تأليف جبهة معارضة ضد “حزب الله” لأنهم يخوضون الحرب مباشرة مع إيران، وتقويض نفوذ “الحزب” يتمّ عبر إضعاف طهران ودفعها إلى طاولة المفاوضات لتقدّم التنازلات.
يضاف إلى كل هذا أن الاميركيين يعرفون أن حسابات القوى السياسية المعارضة ليست نفسها، ولكل فريق حساباته من “المستقبل” إلى “القوات” وصولاً لـ”الإشتراكي”.
ولا تزال واشنطن تمنح حكومة دياب فترة سماح ولا تطلق عليها لقب حكومة “8 آذار” لأن تلك القوى تصطدم ببعضها داخل الحكومة، ويرى الأميركي أن أهم سياسة وأنجحها هي سياسة الضغط المالي والحصار الإقتصادي على طهران وذلك من أجل إظهار ليونة بالنسبة إلى ملفات المنطقة ومن ضمنها ملف لبنان.
ولا تنظر واشنطن إلى لبنان من ناحية إقتصادية فقط وسط حديث عن إعادة إطلاق عجلة العقوبات على “حزب الله”، إذ إن كل الكلام الذي قيل عن اهتمامها بغاز لبنان ونفطه سقط بعد الهبوط التاريخي للنفط في أميركا، وبالتالي فإن اهتمامها بالملف اللبناني يأتي من باب إستراتيجي سياسي وليس إقتصادياً، في حين أن بعض المسؤولين الأميركيين يظهرون عدم رضى على الطبقة السياسية اللبنانية حتى من يُحسب في دائرة الحلفاء، وسط الحديث عن تمنياتها بأن تفرز الإنتفاضة الشعبية قيادات جديدة.