Site icon IMLebanon

رهان أميركي على روسيا… في سوريا

 

تطرح معركة درعا مجموعة من الاسئلة، خصوصاً في ضوء التغيير في الموقف الاميركي من تقدم القوات التابعة للنظام من المدينة القريبة من الحدود الاردنية والتي منها انطلقت الثورة السورية. ليس معروفاً ما الذي تبدل حتى يبلغ الاميركيون الفصائل المسلحة المعارضة للنظام في تلك المنطقة رسالة من بين ما جاء فيها: «نفهم انه يجب ان تتخذوا قراركم حسب مصالحكم ومصالح الاهالي والفصائل. ينبغي الا تستندوا في قراركم الى افتراض تدخل عسكري من قبلنا او توقع ذلك».

 

الرسالة التي تلقتها الفصائل التي تدافع عن درعا والمنطقة المحيطة بها، والتي بات الاميركيون يسمونها الجنوب السوري الغربي للتفريق بينها وبين جبهة الجولان الممنوع الاقتراب منها، اكثر من واضحة. يبدو ان كل الكلام الاميركي عن المحافظة على خفض التوتر في الجنوب السوري صار من الماضي. لم تعد من قيمة تذكر للاتفاقات التي امكن التوصل اليها في هذا الشأن بين اميركا وروسيا والاردن. كانت هناك من دون شك موافقة اسرائيلية ضمنية على هذه الاتفاقات التي يبدو انها لم تعد تصلح لايامنا هذه.

هناك سياسة اميركية جديدة في ما يخص التعاطي مع سوريا. تقوم هذه السياسة على تلزيم الجنوب السوري الى روسيا في ظل اتفاق اميركي – روسي – اسرائيلي. ليس معروفاً هل يستطيع الجانب الروسي الساعي منذ فترة طويلة الى عقد صفقة مع ادارة دونالد ترامب تنفيذ المطلوب منه سورياً، اي التخلص من الوجود الايراني في هذا البلد الذي كان حكامه يزايدون عربياً على كل من تسوّل له نفسه الكلام عن تسوية ما مع اسرائيل فيما كانوا يتولون بالفعل المحافظة على امنها.

في اساس السياسة الاميركية الجديدة التي بدأت تتبلور، ثمة رهان على روسيا وقدرتها على اقتلاع ايران من سوريا، علماً ان الايرانيين والميليشيات المذهبية التابعة لهم تغلغلوا في الوحدات النظامية لجيش النظام وبدأوا يرتدون بذلاته العسكرية. هل هو رهان اميركي في محله ام ان روسيا ستتمكن مرة اخرى من اخذ الادارة الاميركية الى حيث تريد كما فعل الرئيس فلاديمير بوتين في مثل هذه الايام من صيف العام ٢٠١٣؟

في اب – اغسطس من العام ٢٠١٣، استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي في سياق حربه على شعبه. حدث ذلك في محيط دمشق بعد ايام من كلام الرئيس باراك اوباما عن خطوط حمر» رسمها لبشّار الاسد في مقدمها استخدامه السلاح الكيميائي. تدخل الرئيس الروسي ونجح في اقناع اوباما بتفادي توجيه اي ضربة للنظام السوري ادى ذلك الى انقاذ النظام. كان كافياً توجيه سلسلة ضربات الى مواقع حساسة من بينها المطارات العسكرية، كي يذهب رئيس النظام السوري الى حيث يجب ان يذهب، اي الى منفى ما خارج سوريا. لكن بوتين، الذي اظهر مقداراً كبيراً من الحنكة والمعرفة بكيفية تفكير المقيم وقتذاك في البيت الابيض، عرف كيف يناور. اخرج لاوباما من جيبه فكرة التخلص من مخزون السلاح الكيميائي باشراف دولي. هدأ الرئيس الاميركي، لكنه تبين مع مرور الوقت ان النظام السوري لم يتخلص من كل ما لديه من مخزون كيميائي. صار اللجوء الى هذا السلاح بين وقت وآخر مسألة اقل من عادية. وكي يظهر دونالد ترامب انه مختلف عن باراك اوباما وجّه ضربتين الى النظام السوري اثر لجوئه مجدداً الى السلاح الكيميائي. كان للضربتين طابع فلولكوري، لا اكثر. كشفتا غياب اي جدية اميركية في اضعاف النظام وكف شرّه عن شعبه. هذا لم يمنع الادارة الاميركية من الاقدام على خطوات اخرى ذات بعد استراتيجي تمثلت في السيطرة على سوريا المفيدة، اي على شرق الفرات، حيث الماء والثروة الزراعية والنفط والغاز، فضلاً عن الموقع الاستراتيجي، ان من ناحية القرب من الاكراد او التحكم بالطريق الذي يربط العراق بسوريا والذي تطمح ايران الى ان يكون في تصرفها.

هل يكون دونالد ترامب مختلفاً عن باراك اوباما في سوريا؟ هذا ما ستكشفه معركة درعا التي تعني اول ما تعني هل ستتمكن ايران من البقاء في سوريا تحت غطاء من النظام وجيشه ام لا؟ ذلك هو بكل بساطة ما على المحك في هذه الايام في ظل كلام عن لقاء قريب بين ترامب وبوتين.

ستظهر معركة دعا هل يمكن الرهان على روسيا في عملية اخراج الايراني من سوريا؟ ليس الرهان على روسيا رهاناً اميركياً فقط، بل يبدو انه رهان اسرائيلي ايضاً، ذلك ان اسرائيل تفضّل حصول هذا الانسحاب الايراني من دون ان تضطر الى خوض حرب يمكن ان تكلفها غالياً، خصوصاً اذا اتخذت ايران قراراً بفتح جبهة جنوب لبنان عن طريق «حزب الله».

في كل الاحوال، لا يمكن لايران ان تبقى في سوريا. الثابت ان روسيا اول من يفهم هذه المعادلة ويستوعبها. من لا يبدو قادراً على التعاطي مع هذه المعادلة هو النظام السوري الذي يعرف تماماً انه لن يكون لديه اي هامش للمناورة في حال الانسحاب الايراني. من دون ايران، لن يكون امام بشار الاسد من خيار آخر غير خيار التلميذ المطيع. هذا الخيار اقرب الى دور عرف رئيس النظام السوري كيف يلعبه عندما اضطر الى ذلك في مناسبة احدى زيارات فلاديمير بوتين لقاعدة حميميم قرب اللاذقية. من يتذكر كيف منع ضابط روسي بشار من ان يكون الى جانب الرئيس الروسي حين تفقد القاعدة؟

يمكن للخيار الاميركي في سوريا ان يكون في محله كما يمكن لروسيا استخدام الرهان عليها من اجل ان تفتح سياسة على حسابها. مثل هذا الامر يبقى مستبعداً لسببين. الاول الحاجة التي لدى الكرملين الى التفاهم مع واشنطن والآخر الرغبة في تفادي حرب تبدو من النوع الذي لا مفرّ منه في حال اصرار ايران على البقاء في سوريا.

الاكيد ان اسرائيل ليست الطرف الوحيد الذي لا يستطيع التعايش مع الوجود الايراني في سوريا. هناك مشكلة اخرى اسمها الاردن الذي يعرف تماماً معنى ان تكون القوات التابعة للنظام السوري والتي ستقترب من حدوده، في حال سقوط درعا، مخترقة ايرانياً وميليشياوياً.

في الواقع، سيكون على روسيا ان تكون للمرة الاولى في غاية الوضوح. هل هي قادرة على تنفيذ تعهداتها في الجنوب السوري ام ستترك اسرائيل تضرب الايرانيين وغير الايرانيين حيثما وجدوا في سوريا؟

سيوفر تغيير السياسة الاميركية بالنسبة الى ما يحدث في درعا ومحيطها مناسبة لمعرفة المدى الذي بلغه التنسيق الاميركية – الروسي – الاسرائيلي.

الاهم من ذلك كله، سيظر هل لدى ايران الرغبة في تحمل نتائج الانسحاب من سوريا وما سيترتب على تحول النظام السوري مجرد دمية روسية بعدما امضى سنوات عدة يلعب على الايراني والروسي في الوقت ذاته؟