زاد تسارع وتيرة التطورات العسكرية على الحدود الجنوبية، مع تصاعد أعمال العنف بين «حزب الله» وإسرائيل، من وتيرة التحذيرات الخارجية لمخاطر انزلاق لبنان إلى حرب واسعة النطاق، على غرار ما يجري في قطاع غزة، لا سيما بعد بروز مؤشرات قوية ترجّح هذا الاحتمال في الأيام الماضية. وقد برز على هذا الصعيد موقف جديد للإدارة الأميركية، بعد المخاوف الفرنسية من حريق قد يلتهم المنطقة برمّتها، عبّر عنه المتحدث بإسم وزارة الخارجية سام ويربيرغ الذي أشار إلى أن «صواريخ حزب الله تؤدي الى تصعيد في المنطقة»، لافتاً إلى أن «لبنان ليس طرفاً في هذا الصراع في قطاع غزة ولا نريد أن نرى التصعيد من طرف حزب الله أو أي طرف آخر». وهو ما يعكس برأي أوساط متابعة، قلقاً أميركياً من إمكانية خروج الوضع عن السيطرة في أي وقت، معطوفاً على كلام فرنسي متجدد بضرورة التحسّب من أي مغامرة قد تشعل حريقاً واسعاً في المنطقة لا يمكن إخماده.
وفي ما بدا أن واشنطن تضع الكرة في ملعب «حزب الله» لتحميله مسؤولية ما قد يحصل جنوباً، سأل ويربيرغ، «لماذا حزب الله المدعوم والمموّل من إيران يحاول أن يضع الشعب اللبناني في خطر كما فعلت حماس بالشعب الفلسطيني؟»، معرباً عن قلق بلاده من التصعيد بين لبنان وإسرائيل على الخط الأزرق، وقال «نحمّل حزب الله مسؤولية التصعيد ولبنان كدولة ليس طرفاً في هذه الحرب ولا نريد أن نرى التصعيد من طرف حزب الله أو أي طرف آخر». وهذا الكلام يخفي برأي الأوساط، خشية أميركية من تطور الأحداث على نحو خطير، إذا استمر التصعيد العسكري على جانبي الحدود بين «الحزب» وإسرائيل، في ظل مخاوف على مصير القرار 1701، وما يمكن أن يتركه ذلك من انعكاسات بالغة السلبية. وهذا ما دفع الأمم المتحدة، وكذلك المجتمع الدولي إلى مطالبة الجانبين اللبناني والإسرائيلي، الالتزام ببنود القرار وعدم تجاوزها، لأن ذلك يمكن أن يشكل عواقب ليست في مصلحة أي طرف.
وبالنظر إلى خطورة ما يجري على جبهة الجنوب، فقد كشف النقاب عن زيارة وفد أمني فرنسي الى بيروت، بعد الزيارة التي قام بها مدير المخابرات الفرنسية برنار أيمييه قبل أيام، غايتها التحذير مجدداً من أي محاولة غير محسوبة العواقب، قد تخرج الوضع عن السيطرة، وتغرق لبنان مجدداً في حرب مدمرة، لن تتوانى إسرائيل عن القيام بها، إذا أخد «حزب الله» قراراً بمهاجمتها، دون استبعاد قيام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بزيارة إلى لبنان في عطلة الأعياد، لتفقد قوات بلاده العاملة في إطار قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب. في وقت تزداد الخشية الفرنسية على مصير لبنان، بعد تزايد الكلام الإسرائيلي عن التفرغ للجبهة الشمالية بعد القضاء على «حماس».
لكن في المقابل، فإن ما استرعى الانتباه، ما تم تداوله نقلاً عن وسائل إعلام إسرائيلية بأن واشنطن تدرس إمكانية التوصل إلى تسوية بين إسرائيل ولبنان بشأن الحدود البرية، وأن الأميركيين يعملون لإبرام اتفاق لتقليص احتمالات التصعيد، توازياً مع التحضير لتسوية الحدود البرية على غرار اتفاقية الحدود البحرية، سعياً من وراء كل ذلك إلى إبعاد حزب الله عن الحدود. وإن كان لبنان حتى الآن لا يعتبر نفسه معنياً بكل هذه الأقاويل التي تبقى في إطار التكهنات، حيث أن الجهود اللبنانية منصبة على الضغط على إسرائيل، لوقف اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية، والالتزام ببنود القرار 1701 الذي يتعرض لانتهاكات خطيرة، لا يستبعد أن تطيح به، وتفتح أبواب لبنان والمنطقة على المجهول.
وفيما بدا واضحاً أن الولايات المتحدة تواصل مساعيها من أجل ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، من خلال الجهود التي يقوم بها مبعوث الرئيس الأميركي، آموس هوكشتاين، الذي كان الوسيط في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بانتظار الانتهاء من حرب غزة، وما يمكن أن تتركه من انعكاسات وسيناريوهات على المنطقة برمّتها، إلّا أنه لا يمكن التكهن بمصير أي تسوية على هذا الصعيد، ما لم يبت بملف مزارع شبعا التي يطالب لبنان إسرائيل بالانسحاب منها، في حين أشارت معلومات إلى أن الأميركيين بدأوا التحرك على هذا الخط، لإيجاد مشروع تسوية لهذا الملف، دون بروز تفاصيل بشأنه.
وقد أكد متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، أن «الولايات المتحدة عملت بشكل دؤوب على منع أي تصعيد إضافي عند الخط الأزرق».
وأشار إلى أن السلطات اللبنانية، عملت وبنجاح على تهدئة الموقف الأميركي، وقامت إلى حدّ ما بدور «وسيط» بين حزب الله والأميركيين، وقد أبلغت الحكومة اللبنانية الأميركيين مراراً انها لا تريد تصعيداً وتسعى الى تطبيق القرار 1701 وانها ملتزمة بالمبادرة العربية وإعلان بيروت الذي تبنّته القمة العربية ويتحدّث عن حلّ الدولتين.