IMLebanon

انشغالات أميركية.. ولبنان ليس في الأولويات!

عن «شمشون» و «المؤتمر التأسيسي».. و«فيتو» واشنطن على عون؟

انشغالات أميركية.. ولبنان ليس في الأولويات!

رسم الديبلوماسي الاميركي علامة استهجان على وجهه وهو يقول لأحد الاصدقاء اللبنانيين: «حتى النفايات عندكم تصبح قضية صعبة، قل لي ما هو سر هذه النفايات، ومن وراء هذه الازمة؟».

قيل للديبلوماسي الاميركي: «إنه صراع داخل البيت الواحد، وبين مجموعة لصوص».. استفسر عن هؤلاء، فجاء الجواب: إنّهم حلفاؤكم!

الديبلوماسي الاميركي بدا في اسئلته واستفساراته عن ملف النفايات، انه «مصاب بالدوخة من الزبالة، ومن ان تصل السرقات الى النفايات، ومن أن يصل الأمر الى هذا الحد من التزاحم بين بعض السياسيين لتقاسم هذه الجبنة».

قال الديبلوماسي: «في ما مضى، إن قيل لنا إن شخصية ما في لبنان تسرق او مسؤولا ما يسرق، او جهة ما تسرق، كنا في واشنطن نستغرب ونطرح تساؤلات، وكنا لا نصدق، وفي كثير من الاحيان نشكك، اما اليوم فصرنا لا نستغرب ولا نسأل ولا نشكك».

اكثر ما هو مستهجن بالنسبة الى الديبلوماسي الاميركي هو الربط بين تلك النفايات ومصير حكومة تمام سلام «يبدو أن عندكم في هذا البلد من لا يدرك أهمية وضرورة بقاء هذه الحكومة كعنوان استقرار أساسي فيه». وأغرب ما سمعه، كما قال لصديقه اللبناني هو: «حديث البعض عن دور سعودي رسمي في إثارة موضوع النفايات.. انه كلام بسيط حتى لا أقول إنه كلام غبي».

فقيل له: «هؤلاء، لا يزالون تلاميذ الحقبة السورية. في تلك الفترة، وعندما كانت تتعقد الأمور حول امر ما، كان بعض السياسيين يفتعلون زيارات الى سوريا، فيذهبون اليها ومن ثم يعودون، ومن دون ان يكونوا قد التقوا فيها أياً من المسؤولين السوريين، وعندما يصلون الى بيروت، يبدأون بإطلاق مواقف معينة، ويوهمون اللبنانيين الآخرين أن ما يقولونه هو رأي القيادة السورية. اليوم، هم يستنسخون أنفسهم، وبعضهم يزور السعودية في هذه الفترة ويعودون منها، ويحاولون، لمصالحهم الخاصة، إنزالها الى هذا المستوى، وبالتالي إلزامها بمواقف ووقفات ليست معنية بها. المشتبكون في ملف النفايات كلهم حريريون، سواء بالمصلحة او بالانتماء».

من النفايات المتفاقمة ازمتها، انتقل الحديث بين الديبلومسي الاميركي وأصدقائه اللبنانيين، الى تفاصيل الشأن اللبناني. والكلام الاميركي هذه المرة، كان الأكثر وضوحاً وصراحة من اي وقت مضى «ليس في الادارة الاميركية حالياً، من لديه وقت، ليصرفه على لبنان». اي ان لبنان لا يزال خارج الاجندة الاميركية حتى اشعار آخر.

الكلام الاميركي هذا، يلاقيه رأي لسياسي لبناني بارز يؤكد فيه ان لبنان خارج الطاولة الإقليمية والدولية حالياً، والمعطيات المتوافرة تؤكد ان لبنان هو آخر قطعة تُرَكَّب في «بازل» التسوية في المنطقة. فوضع لبنان يشبه قطعة سلاح، حينما يتم التدريب على فكّها وتركيبها. ففي هذا التدريب، اول قطعة تفك من السلاح هي آخر قطعة يتم تركيبها عند إعادة جمع هذا السلاح.

وتبعاً لذلك، يقول السياسي المذكور: بعد اندلاع الازمة السورية، لبنان هو اول قطعة «انفكت» عن سوريا.

قيل لصاحب هذا الرأي: وهل يتحمل لبنان حتى ذلك الحين؟ فكان جوابه: «لبنان هذا، ليس حاملاً، بل هو محمول منذ نشأته، تارة يحمل على هذا الكتف الإقليمية والدولية، وتارة أخرى يحمل على كتف إقليمية ودولية أخرى. وتارة ثالثة يتم التقاذف به بين الكتفين، وبالتالي يستطيع أن يبقى على ما هو عليه إلى ما شاء الله»!

في الموضوع الرئاسي، يكرر الديبلوماسي، الاسطوانة الاميركية ذاتها «الانتخابات الرئاسية في لبنان شأن لبنان، وواشنطن ترحّب بكل ما يتفق عليه اللبنانيون، وبأي شخصية يتفقون عليها لرئاسة الجمهورية، سواء أكان ميشال عون او غيره من المرشحين، فلا فيتو من قبلها على أحد».

تظهر واشنطن أنها على مسافة واحدة من كل المرشحين لرئاسة الجمهورية. لكن من هؤلاء الحاضرين مَن سمع بأذنه همساً في بعض زوايا الادارة الاميركية بأن واشنطن تقبل بأي مرشح لرئاسة الجمهورية في لبنان ما عدا ميشال عون.

هذا الـ «فيتو» الاميركي على عون مردّه الى انه حليف «حزب الله» وسوريا وايران. ومرده ايضاً الى انه محل خلاف داخلي لبناني ـ لبناني. وقد توقف الأميركيون عند الموقف الأخير لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال فيه انه لن يمنح صوته لعون لكونه يشكك في شرعية مجلس النواب.

ليس لدى الاميركيين جواب عما دفع بري الى هذا الموقف في هذا الوقت بالذات. لكن بري الذي يتمنى أن يكون لبنان هو اول ساحة تسوية بعد الاتفاق الاميركي الايراني، يدرك أن ميزان تلك التسوية لن يميل في اتجاه اتمامها في المدى المنظور.

لذلك، فإن بري، من موقعه كرئيس للمجلس، معني بالدفاع عن المؤسسة التشريعية، على اعتبار أن ايّ مسّ بها هو مس به شخصياً، وكل كلمة تطالها تطاله شخصياً، ولذلك هو جاء في موقفه الاخير من عون ليرد «الحجر» اليه، لعلّ الجنرال يتوقف عن استهداف مجلس النواب والتشكيك فيه واعتباره غير شرعي، ولعلّه يضع حدا لتعطيل المجلس.

تشير مقاربة الديبلوماسي الاميركي للاشتباك الدائر حول التعيينات العسكرية، إلى ان هذا الامر في عين الرصد الاميركية من مفاصله كافة. قال ان واشنطن ليست معنية بهذا الامر، ولا تزكي ضابطاً على آخر في موضوع قيادة الجيش، ولا توجد مشكلة لديها لا مع قائد الجيش العماد جان قهوجي ولا مع اي اسم مرشح لتولي القيادة. وقيل له: «اي قائد جيش سيأتي لن يكون ضدكم، لسبب بسيط هو ان سلاح الجيش في معظمه هو سلاح اميركي».

لم يبد الديبلوماسي المذكور تفهماً لموقف العماد عون في موضوع قيادة الجيش، وطرح سلة اسئلة: ما هو موقف عون إن تم طرح بعض الاسماء للتعيين في مجلس الوزراء؟ وماذا سيفعل ان لم يتم الاتفاق على اي منها؟ ماذا لو طرح اسم العميد شامل روكز مع اسماء اخرى وتم الاتفاق على غيره، فهل يقبل عون بذلك؟

احد الحاضرين قال: لا يستطيع عون أن يحملها. وقال آخر (هواه برتقالي): كل الدروب بالاضافة الى اسئلتك تقود الى التمديد مرة ثانية لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وهذا معناه ان الحكومة ستتعطل بالإضافة الى دخول البلد في مشكل معقد!

.. والى اين سيصل عون في النهاية؟ يسأل الديبلوماسي، فيجيب أحد الحاضرين: «الى المؤتمر التأسيسي حتماً. لقد بلغ الأمر بالجنرال الحد الاعلى من الاحتقان، وباللغة العامية، وصلت الامور الى ما «فوق المنخار». هم كذبوا عليه، هم فاتحوه بأمور ومن ثم تراجعوا عنها، سواء في موضوع رئاسة الجمهورية او في طرح شامل روكز لقيادة الجيش. والغريب، انهم لم يتوقفوا عن سياسة الكذب ومحاولة استغباء الآخرين، فها هم وقبل ايام يكشفون من جديد عما يضمرونه، فيرسلون، بالواسطة، طرحا مرفوضا سلفا، يقول بأن يحيد عون عن رئاسة الجمهورية مقابل قبولهم بشامل روكز قائدا للجيش. وهذا امر مرفوض بالنسبة اليه».

هنا يلفت الديبلوماسي المذكور الى انه «سمع من الكثير من السياسيين انهم يرغبون في ان يحيد عون من طريق رئاسة الجمهورية، وعند ذاك تصبح الانتخابات الرئاسية ممكنة، وأن مسؤولاً كبيراً قال له: انا مع سحب عون من معركة الرئاسة، وليس مع سحقه».

«تلك عملية اغراء يستحيل ان تجد لها قبولاً من عون»، يقول البرتقالي الهوى، فهؤلاء يدفعونه شيئا فشيئا الى ان يفاجئ الجميع بلعبة «شمشون» على قاعدة: عليّ وعلى اعدائي. هو في الاصل كفر بالطائف ولم يقبل به، وقد بات قريبا جدا من ان يجاهر بالكفر به مرة ثانية».

يسارع الديبلوماسي الى السؤال: «أتعتقدون انكم ستربحون كمسيحيين في المؤتمر التأسيسي؟ الا تخشون من انه سيأخذ منكم ولا يعطيكم؟»، فيأتيه الجواب بصيغة سؤال: «وماذا بقي لدى المسيحيين ليخسروه؟».

ستخسرون مجلس النواب، يعقب الديبلوماسي، «فأنتم تشكلون النصف اليوم، ومع المؤتمر التأسيسي قد لا تصلون الى الثلث!». للتوضيح، يقول أحد الحاضرين: «نحن نشكل اليوم نصف النصف، أي الربع. فمهما كانت النتيجة فهي حكماً ستكون أفضل مما هي عليه اليوم. وبالتالي الأولوية هي لقانون انتخابي جديد، ينهي مصادرة التمثيل القائمة ويعيد التوازن الى البلد».

يعاود الديبلوماسي القول: قد يأخذ المؤتمر التأسيسي منكم في أمور أخرى؟ فيأتيه الجواب: «سيأخذ حتماً ممن اخذ كل شيء، فالشيعة الحاليون لم يكونوا مشاركين في الطائف ولا المسيحيون، والمسيحيون الذين شاركوا في الطائف، كانوا عمياناً، همهم الوحيد آنذاك هو ان يخلصوا من عون، وتنازلوا عن كل شيء، رئيس الجمهورية بلا صلاحيات تذكَر، وموقعه حالياً يحاولون تصويره وكأنه رمزي بدليل أن البلد ماشي في غيابه وكأن شيئاً لم يكن، ورئيس المجلس غير قادر على فتح المجلس، واما رئيس الحكومة فهو وحده الذي يتحكم بمفاصل الدولة كلها.. وبالتالي من هنا سيتم الأخذ».