في لحظة زمنية بالغة القتامة، برز المجرم الصهيوني بنيامين نتنياهو، على خشبة الكونغرس الأميركي، واعظاً، مؤكداً، كريهاً، محرّفاً للتاريخ البشري، وخارجاً على القانون، من أعلى سلطة تشريع في الدولة الأكبر في العالم، التي خاضت حروب «الحروب الباردة» وحروب الربيع العربي، باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليخبر الشيوخ والنواب الأميركيون ان قتل الأطفال والشيوخ والنساء، وتدمير المنازل على رؤوس ساكنيها، وتدمير المستشفيات على رؤوس الشهداء، والمرضى والجرحى والمصابين، فضلاً عن الكنائس والمساجد ودور العبادة، وكأنه صراع أو حرب بين الحضارة والوحشية، مصوراً محور تحالف ما أسماه «ابراهام» بأنه محور الخير، أما الشعب المشرَّد والمقتول والمداس، فهو «محور الهمجية».
وعليه، سعى المجرم نتنياهو، الملاحق من المحكمة الجنائية الدولية، لانتزاع شرعية بالقتل والخروج على القانون والإمعان في الجريمة، من أعلى سلطة قانون في الولايات المتحدة الأميركية، التي ألغت التمييز العنصري، وتصدَّرت زعامة العالم الداعي الى تعميم «النموذج الأميركي» للنظرة الى الكون والحياة، وطرائق الكسب والبذخ والثقافة، بما في ذلك تدمير الكوكب بارتفاع ثاني أوكسيد الكربون، وأخذ الكرة الأرضية الى عالم سباق التسلح من القذيفة الى الصاروخ فالأسلحة الفوسفورية والكيماوية والنووية.
كان المشهد مدعاة للتشاؤم، والناس على مدى المعمورة، ترى الشيوخ الأميركيين يقفون، ويجلسون تصفيقاً للقاتل، الذي أعلن أمام منصتهم انه لن يوقف الحرب على غزة والفلسطينيين، وفي عموم الشرق الأوسط، قبل تحقيق ما يزعمه «بالنصر الكامل» أي إبادة السكان الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس وأراضي 48.. وعدم الإكتفاء بذلك، والجنوح باتجاه توسيع الحرب وتدمير لبنان، وضرب المنشآت الحيوية في العراق واليمن وسوريا ودول عربية أخرى، إشباعاً لعقدة «مصاص الدماء»، والقاتل الفالت من العقاب.
ربما كان نتنياهو بحاجة الى ذريعة أمنية، لتبديل اتجاهات رميه بالتهم الحقيقية عن القتل، والمضي بالحرب وعدم الانصياع للمطالب حتى الأميركية الراعية لوقف حرب غزة، وعقد صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين.
جاءت الذريعة، بعد الإعلان عن خبر سقوط صاروخ على ملعب في قرية مجدل شمس السورية، في الجولان السوري المحتل، وأهلها من الموحدين الدروز، ومسارعة جيش الاحتلال، ومنظومة التطرُّف في المجلس الحربي الوزاري المصغر بأن حزب الله يقف وراء المسيَّرة التي اصابت الأطفال، وقتلت منهم 12 طفلاً، واصابت آخرين بجروح.
قطع المجرم زيرته المنتهية للولايات المتحدة، وعاد على وجه السرعة، متوعداً حزب الله بدفع ثمن كبير، مع دعوات لاغتيال قياداته، واستهداف المنشآت الحيوية في لبنان.
سارع حزب الله، لنفي المزاعم بأنه وراء قصف «مجدل شمس».. (وأبلغ قوات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب اليونيفيل) بأن ما حصل في القرية السورية المحتلة، هو عبارة عن صاروخ اعتراضي اسرائيلي لمسيَّرة اطلقها حزب الله باتجاه مواقع للجيش الاسرائيلي في الجولان السوري المحتل..
مع حادثة «مجدل شمس» أياً كانت الجهة التي تسببت بها، طرأ على المشهد الميداني متغيرات متسارعة، كان من شأنها أن تضع قضية «الحرب الشاملة» في الشرق الأوسط على الطاولة جدياً.. مع العلم أن الطرفين الأساسيين المعنيين بها، وهما: اسرائيل وحزب الله يعلنان أنهما لا يرغبان «بحرب واسعة»، ومستمران بحرب ضمن سقف من اصطلح على تسميته بـ «قواعد الإشتباك»..
حسب الاعلام الاسرائيلي، فإن الجانب الاسرائيلي يعرف مدى خطورة اشتعال ما أسماه «برميل البارود» في إشارة الى الوضع المتفجر بين دولة الاحتلال وأطراف «محور المساندة» من الحوثيين الى فصائل عراقي، وصولاً الى لبنان، لذا يدرس الجيش الاسرائيلي توجيه ضربة مناسبة لما حصل في مجدل شمس، من دون ان يستتبع رداً خطيراً من حزب الله، يضع الوضع العسكري برمته خارج اطار السيطرة..
ومع ذلك، مع استئناف مفاوضات الصفقة في روما اليوم، بمشاركة رئيس الموساد الاسرائيلي الى جانب المفاوضين القطريين والمصريين والأميركيين، ربما يعطي بعض الأمل المحفوف بالخطر، إزاء التوصل الى «تسوية ما» توقف المدافع والقتل في غزة، فضلا عن اعطاء الوقت لتحريك اتصالات دبلوماسية، تجعل الفرصة متيسرة للتفاوض حول اليوم التالي لحرب لبنان، بديلاً للحرب المتوسعة.. فضلا عن الحراك الدبلوماسي الدائر لمنع اهتزاز قواعد الاشتباك، اكثر مما هي مهتزة الآن.. والنقاش الدائر في المجالس الضيقة: حدود الضربة المعادية – اذا حصلت- وحدود الرد الممكن، والرادع، مع ابقاء العين على غزة، سلماً كان التوجه أو حرباً ضروس بلا توقف!