عقب الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 قدمت الى لبنان القوات الاميركية والفرنسية والبريطانية في مهمّة لحفظ السلام، إلاّ انّ تاريخ 23 تشرين الاول من العام 1983 كان يوماً اسود بالنسبة الى الدولة الأقوى في العالم، أي الولايات المتحدة الاميركية وللدولة الشقيقة ايضاً، اي فرنسا، بعدما سقط للأولى 241 جندياً من قوات «المارينز» وللثانية 58 جندياً فرنسياً من «القوات المظلية»… وقد دأبت الولايات المتحدة ومنذ 40 عاماً على حادثة التفجير، على إحياء الذكرى وتكريم ارواح جنودها بوسائل مختلفة، وقد نشرت هذه السنة على مواقعها الخاصة فيديو مصوّراً لجنود اميركيين يزرعون 241 أرزة في منطقة الشوف، ويضعون فوق كل غرسة وردة بيضاء مع هاشتاغ they come in peace مرافق لشريط الفيديو في إشارة الى سعي قواتها الدائم للسلام.
شاءت الاقدار أن تأتي الذكرى الـ 40 للحدث هذه السنة في تشرين أليم ومقلق للديبلوماسية الاميركية في لبنان، ليس فقط بسبب الحرب الدامية المستعرة الدائرة بين اسرائيل و»حماس» والخوف من انسحابها على لبنان، بل بسبب المستجدات الأمنية الدائرة في منطقة عوكر، وتحديداً في محيط السفارة الاميركية.
وفق المعلومات، انّ التظاهرات والاحتجاجات الاخيرة التي حصلت في عوكر بسبب انحياز اميركا لاسرائيل، دفعت السفارة الاميركية الى تعزيز أمنها ومضاعفة الفرق الأمنية اللبنانية والأميركية المولجة حمايتها.
ولا يُخفى على احد انّ محيط السفارة يُعتبر ارضاً لبنانية، لذلك تناط مسؤولية امن المحيط بالجيش اللبناني فقط، اما بالنسبة الى داخل السفارة فممنوع الدخول اليه سوى للقوات الاميركية المسلحة او للعناصر الامنية التي تُجري مكاتبها الخاصة عقوداً مع السفارة الاميركية لحراسة السفارة والاهتمام بأمن محيطها، وهؤلاء هم مجموعات وعناصر لبنانية يتمّ التعاقد معهم للحماية بعد تدريبهم على يد فرق اميركية خاصة، ومن الممكن بعدها ان يتمّ توظيفهم في السفارة بواسطة عقود مبرمة مع الدولة الاميركية.
تجدر الاشارة الى انّ الأمن كان يتولاه هؤلاء بالاضافة الى أمن السفارة الخاص عند وقوع الحادثة الأمنية الاولى الذي سبّبها عامل الديلفري حين اطلق النار على مدخل السفارة…
اما بالنسبة الى داخل السفارة فإنّ المسؤولين عن أمنه هم قوات المارينز بالإضافة الى مجموعات اخرى من القوات المتخصصة والتي تتولّى الحراسة الداخلية.
وفق معلومات «الجمهورية»، انّ المجموعة الثالثة والتي يُطلق عليها اسم special forces وهي تدرّب الجيش اللبناني منذ سنوات، قد تمّ سحب عدد منها بعد الأحداث الأخيرة في محيط السفارة، لتتولّى حراسة السفارة مع قوات «المارينز»، وبهذا الإجراء يتضح أنّ السفارة لم تكتفِ بالحراسة التي أمّنتها المكاتب والعناصر اللبنانية المتعاقدة معها، بل ارادت مضاعفة الحماية داخل السفارة كي تتولّى مع قوات المارينز حماية المكاتب ومنزل السفيرة، خصوصاً بعد توسيع مقر السفارة بتشييد مبانٍ ومكاتب اضافية عدة، ما زاد من رقعة المساحة التي ضمّتها السفارة الاميركية في المنطقة…
وفي سياق متصل، تؤكّد مصادر أمنية رفيعة استحالة خرق أمن السفارة الاميركية في عوكر، معتبرةً «أنّ الوصول الى داخل السفارة الاميركية في لبنان هو من سابع المستحيلات»، لافتة الى أنّ الجيش اللبناني سيتصدّى لأي محاولة مهما كانت أعداد المشاركين فيها، لأنّ هيبته ستكون على المحك حتى لو كلّفته حماية محيط السفارة استقدام آلاف الجنود».
جاك نيلسون: نثني على الجيش اللبناني والقوى الأمنية والتنسيق قائم
وقد أجرت «الجمهورية» جولة استطلاعية حول الترتيبات الأمنية المتخذة داخل السفارة الأميركية ومحيطها بعد التطورات الأمنية الأخيرة، ومن يتولّى فعلياً حمايتها، الجيش اللبناني أم الدولة الأميركية؟
يُجيب المتحدث الرسمي باسم السفارة الاميركية جاك نيلسون: «تنسّق السفارات والقنصليات الأميركية حول العالم بنحو وثيق مع نظرائها في الدول المضيفة في قضايا الأمن، ويلعب كل من القوى الأمنية وموظفو السفارة الأميركية في الدول المضيفة دوره في ضمان أمن المرافق الديبلوماسية الأميركية»، وأضاف: «نحن نثني على الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، الذين يحمون موظفينا ومرافقنا هنا في بيروت».
وردّاً على سؤال عمّا اذا كان المعنيون في السفارة يشعرون بالثقة في التدابير الأمنية حول السفارة الاميركية بعد الأحداث الأخيرة؟ يجيب نيلسون: «نحن واثقون من قدرة الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على حماية سفارتنا وموظفينا، ونحن ممتنون للشراكة الأمنية المستدامة معهم».
ويؤكّد نيلسون لـ«الجمهورية»، انّ العمل في السفارة مستمر بنحو كامل وطبيعي، وأنّ أبوابها مفتوحة بكاملها، ويقول: «انّ الولايات المتحدة الاميركية ستبقى تعمل بجدّية، وملتزمون تمامًا بالتواصل الدائم لشرح وتوضيح أهمية ألاّ ينخرط لبنان في النزاع، وهذا سيستمر».
وسُئل نيلسون عن نشر قوات خاصة أميركية إضافية لتعزيز أمن السفارة؟ فأجاب:»نحن لا نعلّق على التفاصيل الدقيقة لأي تعديلات في الأمن أو التكليفات الوظيفية».
وعن الإنذارات اليومية المتلاحقة المرسلة إلى المواطنين الاميركيين للاستعداد لمغادرة لبنان، وما اذا كانت في معظمها دقيقية أم تحتوي على إشارات خاطئة؟ يقول نيلسون: «ليس لدى وزارة الخارجية الأميركية أولوية أعلى من سلامة وأمن المواطنين الأميركيين في الخارج، لذا «تحذيرات السفر» تقوم بإخطار المواطنين الأميركيين بأحداث محلية وتغييرات محدّدة فور حدوثها، وتوفّر هذه التحذيرات معلومات واضحة وفورية وموثوقة للمواطنين الأميركيين بحيث يمكنهم اتخاذ قرارات مستنيرة».
وهل وضعت السفارة خطة طوارئ لحماية ممتلكاتها ومواطنيها في حالة اندلاع حرب؟
يجيب نيلسون: «ليس لدى وزارة الخارجية الأميركية أولوية أعلى من سلامة وأمن المواطنين الأميركيين في الخارج، ولدينا خطط جيدة مرسومة لتقديم الخدمات اللازمة لهم ضمن مجموعة واسعة من السيناريوهات». وكشف انّ الولايات المتحدة تقوم بنحو منتظم بتقييم الموقف الأمني لسفاراتها وقنصلياتها في الخارج وتعديل إجراءات الأمن حسبما يناسب البيئة المحلية للتهديدات». وينتهي نيلسون الى التأكيد «أنّ كل السفارات الاميركية تحتفظ بخطط للاستجابة العاجلة، وتُجري تمارين تأهّب للطوارئ والاستجابة للأزمات، للردّ بفعالية على التهديدات المحتملة».