كان من المتوقع بعد فشل المساعي الاميركية لتحقيق التهدئة في جبهة جنوب لبنان بعد فشل «هدنة رمضان» في غزة، أن يحصل التصعيد العسكري بحيث طالَ العدوان الاسرائيلي ليل امس الاول ونهار امس، مناطق في العمق اللبناني عبر الغارات على مناطق غربي وشرقي بعلبك وسقوط شهداء وجرحى وتدمير مؤسسات ومنازل، كما كان من الطبيعي ان يتوسّع رد المقاومة بقصف العمق العسكري الاسرائيلي في الجولان وجبل الجرمق (ميرون) وغيرهما.
بَدا جليّاً انّ فشل مهمة الموفد الاميركي آموس هوكشتاين في لبنان هو انعكاس حتمي لفشل المسعى الاميركي والعربي في وقف العدوان الاسرائيلي المتصاعد على غزة وتحقيق «هدنة رمضان»، وثمّة من شَبّهَ ما تقوم به اسرائيل من تدمير في جنوب لبنان بما تقوم به في غزة من تدمير أبنية ومؤسسات اقتصادية وبنى تحتية ومرافق صحية وتربوية ومساحات حرجية وزراعية، لخلق واقع جغرافي وأمني جديد ظنّاً منها انه يحميها، عبر اقامة حزام خالٍ من البشر والحجر، تستطيع بعده فرض اي شروط او إجراءات تريدها بالتفاوض اللاحق، بعد إفشالها التفاوض السابق مستخدمة التصعيد الـ بلا حدود. هذا عدا ما سقط من شهداء مدنيين ومقاومين دمهم أغلى من الحجر بكثير.
وفي معلومات «الجمهورية» من مصادر اهلية جنوبية انّ قرى بليدا وحولا وعيتا الشعب مثلاً، بلغت نسبة الدمار فيها اكثر من نصف المنازل بين دمار كلي او جزئي، عدا الاضرار الكبيرة في قرى يارون ومارون الراس ورامية وميس الجبل وغيرها من قرى الحد الحدودي. وانّ الاخطر من تدمير الحجر هو حرب التدمير الاقتصادية لمناحي حياة الجنوبيين، عبر قصف المؤسسات التجارية والمستودعات، ومنها مثلاً تدمير مستودع في بلدة بليدا يحوي بضائع (ادوات كهربائية وغيرها) استوردها صاحبه من المانيا بقيمة تفوق 70 الف دولار، هي جَنى عمره وعمله في المانيا. والامثلة الاخرى كثيرة على ذلك في قرى المواجهة. ومنها استهداف مستودعات صناعية في بلدة الغازية قبل فترة.
وبغضّ النظر عن كلفة هذا الدمار ومن هي الجهة التي بمقدورها التعويض واعادة البناء، حيث انّ لبنان تبلّغ رسمياً من مختلف الموفدين انه في هذه الحرب متروك لوحده بلا دعم سبق وحصل بعد حرب 2006، فإنّ الوضع مفتوح على مزيد من المواجهات والتصعيد، وثمة من يضع اللوم بالدرجة الاولى في استمرار التصعيد الاسرائيلي على الادارة الاميركية، التي لم تضغط بما يكفي للجم العدوانية الاسرائيلية ورغبة ثلاثي الحرب: نتنياهو وغالانت وبن غفير في الذهاب بعيداً الى اللاحدود، بحيث يعتقد العديد من المتابعين انه بمقدور اميركا الضغط على اسرائيل بوقف او تخفيف توريد الاسلحة والطائرات والذخائر اليها، لكنها واصلت سياسة الاختباء وراء الاصبع بدعم استمرار المعارك حتى كسر حركة «حماس» وإنهاء تأثيرها العسكري وفي الحياة السياسية الفلسطينية، مع «نصائح» بلا قيمة تقول بالحرص على عدم استهداف المدنيين وهو ما لم تلتزم به اسرائيل ولم تقم اميركا بما يكفي لَوَقفه، برغم الاعتراضات السياسية والتحركات الشعبية من الداخل الاميركي الرافضة لاستمرار الحرب والدعم الاميركي الرسمي لها.
وعلى هذا، تنتظر لبنان مرحلة جديدة من الترقّب للمفاوضات المُرافقة للتصعيد العسكري الاوسع، بانتظار ان تتحقق هدنة غزة وأن يتمكن الوسطاء من وقف المدفع والطيران عن القصف والتدمير هناك حتى يتوقف في جبهة جنوب لبنان. ويبدو من طبيعة الحركة الاميركية، سواء التي يقوم بها هوكشتاين في لبنان او الموفدين الاخرين في فلسطين المحتلة مع حكومة الحرب الاسرائيلية، انها حركة متناسقة مع ما يمكن ان يحققه الميدان، لا سيما في غزة، حيث ينتظر لجميع تحقيق اسرائيل «إنجازاً» عسكرياً ما، او تحقيق إمكانية «ردع» للمقاومة في لبنان، قد يكبح جماح ثلاثي التدمير الاسرائيلي، لكنه رهان على سراب، حيث أظهرت المواجهات المستمرة استحالة تحقيق «انجاز» عسكري كامل في غزة وردعاً يُبنى عليه في جنوب لبنان.