لن ترى المنطقة «حلّاً على البارد»، ولن يكون هناك مسارٌ سلمي لإنهاء الحرب السورية بعدما تقدّمت روسيا مباشرة الى الواجهة فيما تستعدّ الولايات المتحدة الأميركية لملاقاتها. ووسط اعتقاد شامل بأنه لن تكون هناك حربٌ عالمية ثالثة لكنّ الجميع يتوقع سيناريو لفيلم روسي – أميركي جديد. وهذه فصوله.
لم يتمكن أيّ من الدبلوماسيين العرب المعتمَدين في موسكو من نيل أيّ تاكيد أو معلومة رسمية مفيدة عن حجم الإستعدادات الروسية المخصَّصَة للتدخّل في الأزمة السورية في محاولة لتطويق القوى الداعمة للنظام السوري ومصادرتها، أو على الأقل إعادة ترتيب مواقعها تحت المظلّة الروسية، فالروس يتحرّكون والآخرون يتحدثون.
وتزامناً مع الفشل في الحصول على أيّ تأكيدات روسية عن هذا الدور اعترف زوار موسكو أنهم توصّلوا في قراءة المواقف الجديدة لإدارة الرئيس فلاديمير بوتين المتشدِّدة الى أنهم يُعدّون العدة لتجاوز النظام في مواجهة الحلف الدولي الذي تتزعّمه الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما قاد الى احتمال دخول المنطقة فصولاً جديدة من سيناريو يعيد الى العاصمتين قيادة المواجهة المباشرة في سوريا وترتيب المخارج من دون تجاهل مظلّة الحلف الدولي.
ويعترف أصحاب هذه النظرية أنهم قرأوا في المواقف الروسية والأميركية الجديدة تفاهماً على نقطة واحدة، وفراقاً لا بل خلافاً جَذرياً على باقي النقاط. والأهمّ في الإستنتاجات أنّ تفاهمهما تكرّس على أولوية القضاء على مقوّمات «داعش» وهو أمرٌ كفيل ببناء جسرٍ لتفاهمٍ جديد يعيد ترتيب الأولويات بينهما، بحيث لن يكون صعباً أن يتراجع كلٌّ منهما خطوة الى الوراء حتى التوصل الى سيناريو جديد يُبنى على مراحل.
وباعتراف العارفين أنّ التفاهم للقضاء على داعش اولاً، له ما يبرّره وهو يريح الجميع ويضمن الأهداف الرئيسة للحلف الدولي بما يجمع من أنظمة عربية وغربية وأممية استفاق البعض منها بعد مرور سنة على الإعلان عنه على أنّ عليها دوراً لتلعبه في القضاء على «داعش».
ويبقى أمام الولايات المتحدة وروسيا أن تتفاهما على الآلية التي توفر الوصول الى الهدف المشترَك. فموسكو ترغب بدور أكبر للنظام السوري وجيشه وهو أمرٌ مرفوض من واشنطن ودول الحلف الدَولي ولن تسمحا بأيّ خطوة تعيد سيطرة النظام على المناطق التي فقدها، من دون أن تمانعا بخسارته المزيد من الأراضي. ولو لم يفهم الروس هذه الرسالة المتشدِّدة لما أضطروا الى تعزيز حضورهم البحري والبري قبالة وعلى السواحل السورية.
ونتيجة لهذه الخطوات الروسية فقد تقدّمت النظرية التي تقول إنّ الغرب والحلف الدولي لم يعترضا على الخطوات الروسية المتقدِّمة ليلعبا دوراً أكبر لا يتجاوز على ما يبدو السيطرة على الساحل السوري بعمقه الإستراتيجي المتبقي بيد النظام مع ما رسمه من الخطوط الحمر التي احترمتها المعارضة السورية سلفاً عقب الإنتصارات التي حققها «جيش الفتح» في إدلب وصولاً الى تخوم الساحل العلوي قبل أن تتجمّد مشاريع التوسع.
وعلى هذه الخلفيات، فإنّ السعي الى فهم المعادلة الجديدة التي ستحكم العاصمة السورية ومحيطها الحيوي يبقى مهماً بغية رسم الوجه الآخر من السيناريو الجديد. وهو ما لن يكون واضحاً قبل معرفة ما سيكون عليه مصير الشريط الذي يؤمّن التواصل بينها والساحل الشمالي مروراً بالقلمون والقصير وريف حمص الغربي، وهذا أمر لن يُحسم قبل فهم ما يجرى في الزبداني وأرياف دمشق الواقعة تحت سيطرة المعارضين.
وبناءً على ما تقدّم، يمكن فهم الإعلان السوري الرسمي عن الإستعداد لطلب التدخل العسكري الروسي المباشَر على أنه جاء متأخراً بعدما سبقته الإجراءاتُ الروسية على الأرض ففقد الكثير من أهميته الى حدود إهماله وكأنه لم يكن.
في وقت تستعدّ الإدارة الأميركية لحوار مباشر مع موسكو تحت شعار مواجهة «داعش» والإسراع في القضاء عليه ما يوحي بقرب عرض فيلم اميركي – روسي طويل له حلقاته التمهيدية التي يمكن تقدير حلقاته الأولى ولكن سيكون من الصعب إستكشاف النتائج، وما على المشاهدين سوى انتظار الحلقات المقبلة التي ستتحدّث عن مشروع جديد لتقاسم النفوذ قبل الهدنة فالسلام، ولكن كيف ومتى؟!