IMLebanon

الإحباط الأميركي… يَستثني لبنان!

يتحدّث زوّار العاصمة الأميركية عن حالٍ مِن الإحباط تعيشها الإدارة الأميركية كلّما قاربَت ملفّات المواجهة القائمة بين الحلف الدولي ودوَل المنطقة مع «داعش» في سوريا والعراق. وفي الوقت الذي يرون فيه أنّ الأحداث تعيدهم إلى المنطقة على رغم قرارهم الابتعادَ عنها، لم يَظهر أنّهم مطمئنّون سوى إلى الستاتيكو القائم في لبنان. كيف؟

لم ينتظر الأميركيون كثيراً ليفتحوا نقاشاً معمّقاً في ما آل إليه الحلف الدولي الذي أعلِنَ عنه من جدّة في 11 أيلول العام الماضي للقضاء على «داعش» وتجفيف منابعه وموارده والحدّ من سيطرته في سوريا والعراق، وخصوصاً عندما ألغى بعضاً من الحدود بين الدولتين وقبل تهديده الحدودَ الأردنية والسعودية، والإنفلاش الذي حقّقه في ليبيا وبعض الدوَل الإسلامية وبَدء عملياته في المدن السعودية ما قد يؤدّي إلى تبَخّر الآمال التي عُقِدت على الحلف الدولي في المدى القريب.

ويقول زوّار العاصمة الأميركية إنّ هذا النقاش استبَق سلسلة اللقاءات المقرّرة على مستوى ضبّاط من أركان الجيوش في الحلف الدولي الذين سيَجتمعون قريباً في واشنطن لتقويم المرحلة وما حقّقه هذا الحلف من الإستراتيجية المعلنة عند إنشائه إلى حين توفير القوى البرّية التي ستواجه «داعش» على الأرض بعد مرحلة الضرَبات الجوّية.

فقد كان ثابتاً منذ تلك اللحظة أنّ الضربات الجوّية ليست الوسيلة الناجعة لحصرِ توسّع «داعش» وتمدّده، وما وصَلت إليه الأمور اليوم يؤكّد حتميّة القراءة الأوّلية. فقد عادَ «داعش» ليُهدّد مرّةً أخرى العاصمة العراقية وأراضيَ سعودية وأردنية، عدا تهديده القوى السورية التي يَعتقد الحلف أنّها معتدلة ويمكن أن تكون بديلة منه، فضلاً عن احتمال اقترابه مرّةً أخرى من الحدود التركية بعد إبعاده عنها في «كوباني».

على هذه الخلفيات يتعزّز الشعور الأميركي بالإحباط من الفشَل في المرحلة الأولى من المواجهة، وهو ما عبّرَ عنه قادة عسكريّون في قيادة المنطقة الوسطى الأميركية ووزارة الدفاع، وما ترجَمه وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر الذي وَجّه نقداً لاذعاً إلى الحكومة العراقية نتيجة فشَل الجيش العراقي في المواجهات مع «داعش» وتحديداً بعد سقوط الرمادي.

فالإحباط الأميركي مبنيّ على فشَلٍ ذريع سَجّله الجيش العراقي الذي خُصِّصت له موازنات كبرى لم يَحظَ بها أيّ جيش في العالم، معتبرين أنّ المشكلة ليست في عدد الألوية والجنود ولا في نوعية الأسلحة التي لم يحسِن إستخدامها حتى اليوم، لا بل فقد تفنّنوا في تركِها للمسلحين في أرض المعركة، ما سهّل حصولهم على ثلثِ مخزون الأعتدة العسكرية المتطوّرة. وهي أسلحة باتت بتصرّف قوى تتمتّع بوحدة الهدف والعقيدة، وهو ما لم توفّره جيوش دوَل المنطقة ولا دوَل الحلف.

لذلك يَعتقد الأميركيون أنّ مشكلة الجنود العراقيين الحقيقية تكمن في عدم رغبتِهم بالقتال في مواجهة المتطرّفين، بعدما تفرّغوا لفترةٍ طويلة لخلافاتهم العشائرية والمذهبية والإتنية العراقية التي سَمحت لـ»داعش» بالتسلّل عبرها لكسب قلوب وتأييد العراقيين.

ومِن هذا المنطلق يقول زوّار العاصمة الأميركية إنّ إدارتَهم قصَدت بخروجها العسكري من أفغانستان والعراق قبل أعوام تنفيذَ وعدٍ قَطعَه الرئيس الأميركي باراك أوباما للعودة بجنوده إلى بلادهم. لكنّ الفشلَ الذي عرفَته الإدارات التي بنَوها في هذه الدوَل يستدرجهم إليها مجدّداً، وهو أمرٌ كان مرفوضاً في المرحلة السابقة قبل أن تفرض عليهم التطورات الأخيرة عودةً محدودة وخجولة إلى بعض القواعد العسكرية.

وإلى ذلك كلّه، لا يبدو أنّ الأميركيين مطمئنّون لما تَشهده سوريا. فقرارُهم باستثناء النظام من الحلف الدولي وإبعاده عنه يوازي الإصرارَ على استكمال التحضيرات لتجهيز قوى برّية لمواجهة «داعش» والنظام معاً، وها هي قد بدأت تؤتي ثمارَها.

والدليل في معارك إدلب وجسر الشغور وجنوب العاصمة السورية حيث تتقدّم هذه القوى في مواجهة النظام الذي لم يعُد همّاً يوازي همَّ وقف تمدّد «داعش» وتعزيز «القوى المعتدلة» في المرحلة الراهنة.

ومن دون الدخول في تفاصيل كثيرة، لا تبدو الإدارة الأميركية مطمئنّة سوى إلى الوضع في لبنان. فالجيش أثبَت قدرةً كافية في ضبط الوضع على الحدود وفي الداخل. وهو يُلاقي بنجاحاته ما هو متوافر من مظلّة دوليّة هي نِتاج ما يسمّونه «الشركاء العالميين» في ضمان استمراره. وكلّ الاحتقان السياسي في لبنان لن يهُدّد الاستقرار الداخلي لألف سَبب وسبب ليس المجال لشرحِها بالتفصيل.