غياب الضوء الأخضر الأميركي يمنع ماكرون من طرح مبادرة جدية للحل
لا يختلف اثنان على وصف لبنان بأنه كرجل مريض بـ«السرطان» في مختلف أنحاء جسده، وتتم معالجته عن طريق إعطائه دواء «البنادول»، وتوهم المشرف على العلاج بأن «البنادول» من الممكن ان يشفيه ويعيد له عافيته ويصبح بصحة جيدة.
إن ما تقوم به الحكومة من معالجات، بالاضافة الى التعاطي الدولي مع لبنان لا يرقى الى مستوى المعالجات الحقيقية للأزمات المتشعبة التي تشتد يوماً بعد يوم على خناق اللبنانيين، وتضرب عميقاً في جسم الإدارات العامة والمؤسسات الرسمية التي باتت على قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الكامل. فالجميع يدرك ان ما تتخذه الحكومة من اجراءات على مستوى مواجهة الوضع الاقتصادي والاجتماعي ما زال قاصراً عن المقاربة الحقيقية للملفات التي هي قيد المعالجة، وما يحصل يؤكد أن الأزمات تسبق المعالجات بأشواط، وأنه بات مطلوباً من الحكومة تغيير قواعد المعالجة بحيث تنقل من المعالجات الآنية والعشوائية الى المعالجات الحقيقية عن طريق اعلان حالة طوارئ اقتصادية ووضع خارطة طريق طويلة الأمد يتم من خلالها وضع اليد على مكامن المشكلات والعمل على حلها بطرق علمية وتشخيص موضوعي لها.
وبما أن المشكلة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة متعلقة بشكل شبه كامل بالأزمة السياسية الموجود بفعل النكد السياسي والنكايات التي تحكم سلوك غالبية القوى، فإنه بات من الواضح أن معالجة الوضع السياسي يعد المدخل الأفضل والحقيقي والوحيد لمعالجة باقي المشاكل ولا سيما المعيشية منها، وبما أن هذه المعالجة لا تزال بعيدة المنال فإن كل المتابعين لمسار الوضع اللبناني يبدون مخاوف من أن تتدحرج كرة الأزمة المعيشية وتتحول مع قابل الأيام الى انفجار اجتماعي تطال شظاياه كل نواحي الحياة في لبنان.
وما يعزز الخوف من وقوع هذا الانفجار هو التفاقم اليومي للأزمة المعيشية بفعل الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة الذي يقابله ارتفاع هائل في الأسعار ولا سيما على صعيد المواد الغذائية والأدوية والطاقة بمختلف أنواعها، كل ذلك يجري وسط انسداد كامل في الأفق الرئاسي حيث لا معطيات تلوح في الأفق إن كان في الداخل أو الخارج توحي بأن حصول الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة وبالتالي انتظام عمل المؤسسات بات قريباً، لا بل إن كل المؤشرات تؤكد بأن أمد الفراغ سيطول، وأن هناك من بات يتوقع بأن تستمر الأزمة السياسية لأشهر عدة وربما للعام المقبل ما لم يغادر اهل السياسة مربع النكايات والنكد الذي يتحكم بعملهم من كل حدب وصوب، ناهيك عن إصرار البعض على التماهي مع الخارج الذي يأخذ من لبنان منصة لتحصين وضعه على خارطة المنطقة.
من هنا، فإن مصادر سياسية متابعة تؤكد بأن الوضع السياسي وصل الى مرحلة «القرف»، وهذا ناجم عن السياسة الخاطئة التي يتبعها البعض في مقاربة الأزمة الراهنة، مستغربة كيف ان هناك من يرى لبنان ومعه الشعب اللبناني يغرق وما زال يتعامل مع الواقع بالنكايات، مشبهة ما يجري بأناس موجودين على سفينة «التايتانيك» ويتصارعون في ما بينهم داخل الغرف من دون الانتباه الى ان السفينة تتجه للاصطدام بجبل جليد يؤدي الى غرق السفينة بمن فيها.
مخاوف من اختراع مشاكل أشبه بـ17 تشرين بلبوس جديد
وترى هذه المصادر ان هناك من الاطراف السياسية من يخترع المشاكل ويقاتل طواحين الهواء لا لشيء إلا نتيجة خوف ينتابه على مصالحه السياسية أو الطائفية، أو بفعل املاءات يتلقاها من هذه الجهة او تلك، وأن هذا النوع من السلوك هو مدمر للبلد بأكمله ولن يوصل الى اية نتيجة، معربة عن خوفها في هذا السياق من أن يكون هناك مَن يُحضّر لـ17 تشرين آخر، إنما بلبوس جديد قد يتطور هذه المرة الى صدامات دامية في الشوارع.
وتلفت المصادر النظر الى ان انسداد شرايين التواصل بين القوى السياسية ربما يشجع مَن يريد ان يلعب لعبة الشارع المضي في هذا التوجه طالما أنه يرى ان البيئة الملائمة والظروف الراهنة تساعد على القيام بمثل هذا العمل، مستفيداً من الارتباك الداخلي الحاصل والانشغالات الدولية عن الوضع اللبناني.
وفي رأي المصادر ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يحاول أن يلعب دوراً مساعداً على حل الأزمة في لبنان، ولكن نجاح هذا الدور لا يمكن ان يحصل في منأى عن الضوء الأخضر الأميركي الذي لم يُعطَ بعد لفرنسا للتحرك الفعلي تجاه لبنان، مشيرة الى أنه رغم مرور أشهر على الأزمة الرئاسية في لبنان فإن الادارة الأميركية لم تتفوه بكلمة واحدة عن رأيها بهذا الاستحقاق، وهذا مؤشر سلبي يدخل في إطار وضع الولايات المتحدة الأميركية الملف اللبناني جانباً ولا تعتبره في الوقت الراهن من أولوياتها في المنطقة.
من هنا، فإن المصادر المذكورة لا تنتظر حصول اية تطورات تذكر من الجلسة الحادية عشرة التي ستعقد يوم غد لانتخاب رئيس، حيث المشهد السياسي ما زال على حاله، وأن انعقاد مجلس الوزراء اليوم قد يتسبب في زيادة التعقيدات الموجودة ودفع البعض الى التمترس وراء مواقفهم أكثر فأكثر مما يجعل اي امكانية للتواصل لحل الأزمة الرئاسية شبه مستحيلة ما لم تحصل معجزة ما، أو تأتي كلمة سر من الخارج تقلب المشهد السياسي رأساً على عقب.