يجب أن يكون المراقب غارقاً في السذاجة حتى البلاهة ليصدّق ما قاله السفاح بنيامين نتانياهو وادّعاءه أنه رفض الضغوطات الأميركية عليه ليمدّد الهدنة، وأنه كان حازماً في هذا الموقف أمام أنطوني بلينكن وزير خارجية واشنطن… فمن أين للكيان الصهيوني الذي يعيش ويتنفس ويعتدي مزوّداً بدعم أميركا المادي والمعنوي والمالي والسلاح، من الذخيرة الى استخدام «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي… من أين لهذا الكيان أن يتباهى بأنه يرفض بحزم طلب إدارة بايدن ليس للانسحاب من غزة ولا لقيام الدولتين إنما فقط لتمديد الهدنة يوماً أو يومين آخرين. ومَن تأمل الأمائر التي ارتسمت على وجه بلينكن نفسه في كلامه، عصر أمس، وهو كان لا يزال في المنطقة، يقرأ بداهة أنه كان يكذب في مزاعمه الحرص على أمن ربيبتهم إسرائيل وأمن الفلسطينيين أيضاً.
وفي هذا السياق من مسرحية الدجَل، التي يلعبها الأميركي والصهيوني على مسرح أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ في غزة الصامدة الصابرة المناضلة، يطل علينا «مسؤول أميركي» يقول إن واشنطن طالبت قادة ربيبها الكيان الصهيوني بأن «يقلّصوا منطقة القتال»، وهو كلام منافق، على رغم مّا ينطوي عليه من تمويه وتعمية واحتمال تفسيرات عديدة.
وأيضاً وأيضاً يزعم المسؤول الصهيوني ذاته أن بايدن «يناشد» (ولنتوقف عند كلمة يناشد) إسرائيل تبنّي نهجاً أكثر حذراً إذا ما وسّعت الهجوم جنوبي قطاع غزة. فهل ثمة نفاق أكبر وأبشع؟!. إنه مشهد يستحضر بيلاطس البنطي الذي غسل يديه من دم السيد المسيح مدّعياً براءته من جريمة ارتكبها بتسليمه الناصري الى يهود ذلك الزمان…
ويبلغ الضوء الأميركي الأخضر أمام العدوان ذروة ذروته في الكذب والنفاق، إذ يمضي «المسؤول الأميركي» في غرغرته فيقول: «عندما كانت إسرائيل تخطط لهجومها على شمال غزة نصحْنا الإسرائيليين باستخدام قوة أصغر ممّا كان مخطّطاً له، كما نصحناهم بتوخي الحذر في ما يتعلق بالتكتيكات والتحركات وحجم الوحدات وقواعد الاشتباك». فعلاً أنها الوقاحة التي لا حدود لها. وفي آنٍ معاً، تكشف هذه «النصيحة» كيف أن التخطيط لجريمة الحرب على غزة تمّ بالتكافل والتضامن بين الصهاينة والأميركي المجرم. وأمّا الكلام على مضمون النصائح المزعومة فما جرى ويجري في الحرب على غزة فمجرد هراء.