IMLebanon

وجهة النظر الأميركية – السعودية حيال المأزق اللبناني تتقدّم على الفرنسية… وتجد صداها الشعبي

 

سلامة شريك المنظومة ينقلب عليها بوقف الدعم عن المحروقات.. ويُحدث ارتطاماً سياسياً

 

 

تنمُّ ردة الفعل على قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقف الدعم عن المحروقات من قبل المنظومة الحاكمة عن كثير من الفجور السياسي. فالقرار ليس مفاجئاً لهؤلاء كما يحاولون أن يوحوا، وهو أبلغ المجلس الأعلى للدفاع بخطوته ولم يعارضوه، وهم عالمون أن احتياط مصرف لبنان قد نفد، وأن الحاكم كان بامتياز شريكاً معهم ولهم ولسنوات طويلة، وأنه مدَّ يده على الاحتياط الإلزامي بالعملات الصعبة الذي يُشكّل ما تبقى من أموال المودعين التي حجزتها المصارف وتبخّرت قيمتها أساساً، وأن ما هو موجود من هذا الاحتياطي – إن كان موجوداً أصلاً – لا يُريد صرفه من دون غطاء تشريعي. وقد كشف أخيراً أنّ «فاتورة الدواء والمستلزمات الطبيّة للنصف الأول من سنة 2021 تتعدى كامل فاتورة سنة 2020» وبلغت نحو 1.5 مليار دولار أميركي، فيما الأدوية مفقودة، كما أن مصرف لبنان قد دفع ما يفوق الـ800 مليون دولار للمحروقات في الشهر المنصرم، ولا تزال مفقودة أو تُباع في السوق السوداء، كما لو أن الدعم رُفع عنها، وأنه سبق أن حذّر الحكومة.

 

أمعنت المنظومة الحاكمة في هدر الدعم مع طبقة المستوردين والتجّار والسماسرة والمهربين سواء طمعاً بالربح المالي أو إنفاذاً لخطة تعويم نطام بشار الأسد. جُل ما تريده هو شراء الوقت أو تقطيعه إلى حين تبلوّر معالم التسويات الكبرى، ولا سيما التسوية الأميركية – الإيرانية في شأن النووي، وما سينبثق عنها من ترتيبات في المنطقة، ولا سيما على مستوى نفوذ طهران في الدول التي تُسيطر على قراراتها كلياً أو جزئياً بواسطة أذرعها العسكرية، ومن ضمنها لبنان، حيث يُمسك «حزب الله» راهناً بقرار الدولة الاستراتيجي من خلال تحالفه مع رئيس الجمهورية معطوفاً على فائض قوة سلاحه غير الشرعي. وقد زادت تلك السيطرة، ولا سيما منذ التسوية الرئاسية، من عزل لبنان عن محيطه العربي، وفي وضعه في مواجهة الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية، وفي مواجهة الولايات المتحدة من خلال جرّه إلى سياسات محور إيران وحلفائها. وزاد من الضغوط عليه انغماس الدويلة في الدولة والتماهي بينهما وذهاب القوى السياسية المعارضة إلى رسم سقوف في العلاقة مع «الحزب» على قاعدة تنظيم الخلاف الداخلي والسكوت عن الهيمنة القائمة على قرار الدولة الاستراتيجي وفي علاقاتها مع الخارج.

 

حزب الله يعي معنى أحداث شويا وخلدة و4 آب… وحملات التخوين والترهيب لا تكون سلاحاً ناجعاً في كل الأوقات

 

وما يزيد من مفاقمة المأزق اللبناني أن ثمة نظريتين دوليتين له: واحدة أوروبية تعزو الانهيار المالي – الاقتصادي الحاصل إلى فساد الطبقة السياسية وسوء الإدارة وغياب الإصلاحات والحوكمة، وما إلى هناك من أسباب تُسقط تأثير عامل السلاح غير الشرعي واستخدام لبنان كمنصة إيرانية وذلك لضرورات الحاجة الأوروبية إلى علاقة متمايزة مع إيران. أما النظرة الثانية وهي أميركية مدعومة سعودياً، فإنها تعتبر الانهيار نتيجة حتمية لتحكم «حزب الله» بالبلد وسيطرة إيران على قراره، من دون أن تغفل تأثير العوامل الأخرى كعوامل مساعدة. وقد رأت القوى السياسية في النظرة الأوروبية، ولا سيما الفرنسية، ملاذاً أكثر أمناً لها ويقيها من شر المواجهة مع «الحزب»، واختارته في أدبياتها السياسية، متعمّدة تغييب النظرية الثانية، منطلقة من مقولة أن مسألة سلاح «حزب الله» مسألة ما فوق لبنانية وأنها تُحلّ يوم تحصل التسوية الكبرى.

 

في الواقع، فإن النظريتين أو النظرتين متلازمتان وتكمّلان بعضهما البعض، وتبنّي واحدة دون الأخرى يُشكّل توصيفاً مجتزأً للأزمة الراهنة الناجمة عن عوامل سياسية واقتصادية ومالية. العطب في النظرة الأوروبية أن الذهاب إلى حكومة إصلاحات كما يريدها المجتمع الدولي يعني وضع الدولة يدها على مرافقها العامة ومرافئها البحرية والجوية والبرية ووقف التهرّب الضريبي والتهريب ومزيد من خنق النظام السوري، وهو أمر لا يستقيم مع قرار محور إيران بتجيير كل الموارد اللبنانية إلى نظام الأسد تحت نظرية أن بقاءه هو علامة النصر وضمانة بقاء شريان الوصل بين دول محور «الهلال الشيعي»، وبالتالي سيبقى تحالف الميليشيا والمافيا يُغذّي بعضه البعض، ويحاول حلفاؤه تحسين أوراقهم الداخلية. ولن يتم الإفراج عن الحكومة قبل أن تنجلي صورة المفاوضات الإيرانية – الأميركية.

ad

 

وحتى لو حدث «خرق ما» وتشكّلت الحكومة، فإن الأزمة اللبنانية أو القضية اللبنانية لن تسلك مسار الحل قبل أن تُقدّم إيران ما لديها من أوراق على طاولة التفاوض. هنا تصبح النظرية الثانية أكثر حضوراً وقابلية لدى الكثير من اللبنانيين، وإن عَـمَـدَ كثير من الزعامات والقيادات إلى تجاهل حجم الثمن الذي يدفعه لبنان نتيجة ترابط أزمته المالية والاقتصادية بالانحراف السياسي للحُكم، وبعنوان السلاح الذي يقول أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله إن الصواريخ الدقيقة بات في عهدته، والصواريخ الدقيقة هي ملف من الملفات التي يطلب الأميركيون أن تكون مُدرجة على طاولة التفاوض إضافة إلى ملف النفوذ وامتداداه إلى دول المنطقة، ولن يتوانوا عن استخدام كل الضغوط الممكنة لفرض ذلك.

 

حين يخرج أبناء قرية شويا في قضاء حاصبيا الجنوبي ليوقفوا راجمة كانت تقصف على إسرائيل من المحيط، فهذا تعبير عن مزاج إما كان صامتاً سابقاً وأضحى مُعلناً، أو أنه تحوّل بفعل تغيُّر النظرة إلى هذا السلاح كسلاح مقاوم. لم يكن الحدث عابراً، تماماً كما هو خروج العشائر العربية في خلدة لتقف بكل حزم في وجه الاستفزاز الذي مارسته بيئة «حزب الله « خلال تشييع علي شبلي، المحسوب على «الحزب»، والذي قُتل في ثأر عشائري. وكذلك ليس بالحدث العابر ذهاب لبنانيين في ذكرى تفجير مرفأ بيروت إلى حمل يافطات كُتب عليها «إيران برّا». هي محطات لا بد أن «حزب الله» يعي معناها جيداً، وسيعي معها عاجلاً أم آجلاً أن حملات التخوين وحملات الترهيب قد تنفع حيناً لكنها ليست قادرة أن تكون سلاحا ناجعاً في كل الأوقات، وخصوصاً حين لا يعود لدى الإنسان ما يخسره، تماماً كما هي حال غالبية اللبنانيين الذين يرون أنهم خسروا مستقبلهم ومستقبل أولادهم في حياة كريمة ولائقة وحرة، وأضحوا فقراء!

 

ليس في الأفق سيناريو محدد. البعض يُراهن على أن يُشكّل الارتطام فرصة لولادة حكومة للتخفيف من هول التداعيات والنتائج، والبعض يُراهن على سيناريو الارتطام بعد السقوط الحرّ، علّه يمكّنه من التقاط فرصة مساومة لتحسين أوراق من هنا أو من هناك. هو رهان محفوف بالمخاطر لأن أحداً لا يستطيع أن يتوقّع المدى الذي يمكن أن تصله الفوضى، ولا النهائيات وطبيعتها!