Site icon IMLebanon

لماذا تنشط المبادرات الأميركية بعد كل اختناق صهيوني؟

 

مع بداية النهضة العربية بقيادة جمال عبد الناصر، استشعر الصهاينة ومعهم قوى الاستعمار القديم خطراً مطّلاً مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كشفها رئيس وزراء العدو الأسبق دايفد بن غوريون.

ومع صفقة الأسلحة التشيكية التي أنجزها عبد الناصر كرّس النزاع طابعه العسكري بدءاً من عدوان 1956 لإنقاذ «إسرائيل»، وبفشله نحّت الإدارة الأميركية الثنائي البريطاني – الفرنسي وتعهدت حماية الكيان الصهيوني للدفاع عن المصالح الإمبريالية. وكلما استشعرت خطراً تدخّلت داعمة له عسكرياً و لوجستياً واقتصادياً مواكبة مع مبادرات تحقق – غالباً – للصهاينة بالمفاوضات ما عجزوا عن انتزاعه بالحرب دون أي مكاسب للطرف العربي: كمب ديفد – أوسلو – وادي عربة – 1701… وآخرها همروجات رافقت وترافق العدوان الصهيوني على لبنان وفلسطين بعد « طوفان الأقصى».

 

ما جرى من جريمة رباعية مروّعة في طهران والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، واستهداف القائدين فؤاد شكر وإسماعيل هنية يوم الثلاثاء 30/7/2024 كان أكبر من عمليات ضمن تداعيات «طوفان الأقصى»، وبالتالي يستحيل التغاضي عنه، أو أن يمرّ مروراً عابراً بعمليات في حدود ردة الفعل المضبوطة بقواعد الصراع. هو تاريخ مفصلي بين ما قبل تلك ارتكاب تلك الجرائم برمزيتها وما بعده.

بالنسبة للجمهورية الإسلامية، ما ارتكبه العدو الصهيوني هو جريمة تحدّ للنظام الإيراني في عقر داره بجريمة مسّت بالشرف الإيراني.

في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) في اليوم التالي لتلك الجرائم للمرشد الإمام خامنئي: «بهذا العمل جرّ النظام الصهيوني المجرم والإرهابي على نفسه أشدّ العقاب… ونعتبر أنه من واجبنا الثأر لدماء هنية التي سُفكت على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية».

 

وكان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قد قال يوم الأربعاء 31/7/2024 إن إيران «ستدافع عن وحدة أراضيها وكرامتها وشرفها وكبريائها، وستجعل المحتلّين الإرهابيين يندمون على فعلتهم الجبانة» باغتيال هنية، وفق ما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء.

وبالنسبة للمقاومة الإسلامية فالموقف أعلنه السيد حسن نصر الله نفسه:

«لا يُمكن أن نُطالَب من أحد بأن نتصرف مع هذا العدوان (على الضاحية) على أنه في سياق المعركة القائمة منذ 10 أشهر، والعدوّ الصهيوني هو الذي اختار التصعيد مع لبنان وإيران». وأضاف: «إنّ وفوداً تأتي وتضغط اليوم (لكي لا نرد)، وبعض الاتصالات يأتي من جهات وقحة لم تستنكر قتل المدنيين والأطفال في لبنان وفلسطين».

 

برأس الكيان الصهيوني همّه الوحيد البقاء في السلطة لتحصينه ضد القضائين الدولي والمحلي، كل الاحتمالات في دائرة التوقعات. واحتمال توسّع جغرافية الميدان مع ما تحمله من أضرار اقتصادية على العالم، وتوسّع العدوان بذريعة الرد على الفعل المقاوم والذي هو في الواقع فعل إجبار الكيان وسلطته على وقف العدوان الاستيطاني على فلسطين، والتوسّعي على لبنان وبلاد الشام، والعدوان المحتمل على العراق وإعادة التحكّم بالنيل ومنابعه و مصبّاته.

وهذا ما يحرك الدولة العميقة في الولايات المتحدة والإدارة الأميركية ومَلاحِقُها من دول وأحلاف، بالدعوة والعمل للتهدئة وأقصى درجات ضبط النفس وتجنّب زيادة التصعيد في المنطقة والضغط الآحادي التوجه والمقصد. في هذا الإطار زار وفد بريطاني بيروت يوم 1/8/2024 والتقى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وأعرب له رغبة بريطانيا في التطوع لوقف التصعيد العسكري بين محور المقاومة والحلف الأميركي – الصهيوني.

وفي وقت تسكت دول الدائرين في الفلك الأميركي عن كل الإجرام الصهيوني، وتزوّد الولايات المتحدة وبريطانيا وسواهما الكيان الصهيوني بكل مستلزمات العدوان عاجلاً وآجلاً كما أكدت صحيفة «التايمز» يوم 30/7/2024 «إن بريطانيا أجّلت قرار حظر مبيعات الأسلحة إلى «إسرائيل» لأسابيع، بعد أن صدرت أوامر للمسؤولين بمراجعة الأدلة على جرائم حرب محتملة من العدوان الصهيوني في غزة».

 

وكان البنتاغون قد أعلن في وقت متأخّر الجمعة في الثاني من آب 2024، أنه يحرك أصولاً عسكرية إلى الشرق الأوسط قبل الرد المتوقع.

كما أفادت وكالة «بلومبرج» نقلاً عن مسؤول دفاعي أميركي، يوم الثلاثاء 6/8/2024، بأن سلاح الجو الأميركي سيقوم هذا الأسبوع بنشر سرب يتألف من 16 إلى 24 طائرة من طراز F-22 في منطقة الشرق الأوسط. وأكد بلومبرج نقلاً عن المسؤول، أن مدمرتين إضافيتين للدفاع الصاروخي وصلتا أخيراً إلى البحر الأحمر، زاعماً أن ما أرسلته بلاده من مقاتلات أف 22، فضلا عن تأهّب سفنها وحاملات طائراتها في المنطقة، هو من باب التحسّب لأي رد إيراني وليخفف التوتر في المنطقة، والمنطق أنه لا تخففه إلا وقفة جدّية بوجه نتنياهو الذي رمى ببلاده بين فكي كماشه: واحدهما مصالح الكيان الصهيوني العابث فيه نتنياهو، ومصالح وموقع نتنياهو نفسه، دون الاكتراث للاحتجات الشعبية الأميركية، وآخرها ما أظهره استطلاع حديث نشر في 7/8/2024 أوضح أن أغلبية الأميركيين يعارضون ولأول مرة من سنوات طويلة، إرسال قوات أميركية للدفاع عن «إسرائيل»، إذ بيّن استطلاع الرأي الذي أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية أن 55 في المائة من الأميركيين يعارضون إرسال قوات أميركية للدفاع عن «إسرائيل» إذا هاجمها جيرانها، في إشارة إلى إيران أو «حزب الله» أو سوريا، في المقابل أيّد 41% الخيار المعاكس، بحسب ما نقلت صحيفة «واشنطن بوست».

نصل إلى أن حكومة العدو ومعها الإدارة الأميركية العميقة تريدان وضع خطوط حمر لما يمكن أن يتعرض له الكيان الصهيوني، وليس لما يمكن أن يقوم به، مستندتان على أن حجم الاعتراض في المنطقة على ما تفتعله أو تردّ به محدود.

فماذا عن لبنان ومقاومته وشعبه؟

ليس دقيقاً أن ما ترمي إليه المساعي الدبلوماسية الدولية والعربية حتى، هو لتجنيب لبنان ما لا طاقة له على احتماله بسبب ظروفه الداخلية، اقتصادياً واجتماعياً وديموغرافياً، فما اعتدنا هذا الحرص المزعوم على أمن لبنان واللبنانيين وسلامتهم وحريتهم واستقرار بلادهم التي ظلت لعقود ساحات تقاسم النفوذ والولاءات العربية والإقليمية والأجنبية. وفي أبسط دحض لتلك المزاعم، أن كل ما تعرّض له لبنان وأهله ومن يعيش فوق أراضيه طوال أكثر من سبعين سنة لم يقلق الآخرين – وهذا منتظر وطبيعي وبديهي، ولم يتعرض الكيان الصهيوني لأي ضغط للانسحاب من لبنان وتطبيق القرارات الدولية، لا الـ425 وقد بقي مجمداً لعقود من الزمن، إلى أن كان الانسحاب الصهيوني القسري عام 2000، و لا 1701 الذي خرقته القوات الصهيونية مئات المرات. واليوم وبعد أن كالت المقاومة الكيل كيلين علت الأصوات – والغريب أن منها من الداخل – تطالب لبنان جهاراً بتطبيقه، وتطالب العدو الصهيوني بذلك استعطاء وحياء. هذا الحراك الجمعي والثنائي والفردي إنما هو خوف على ما يمكن أن يحدثه القصف الصاروخي من أضرار في المنشآت الصهيونية الحيوية أشار إليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أنّ «ما يملكه العدو من مقدّرات في الشمال ومصانع استغرق إنشاؤها 34 عاماً تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات يمكن تدميرها في ساعة واحدة، وحتى في نصف ساعة»، ومن بينها حقل ديامونا النووي، ومنصات حقل «كاريش» وغيرها من الأهداف الاستراتيجية، في الوقت الذي سيقتصر القصف الصهيوني على تدمير المنازل والمستشفيات والمدارس في لبنان، الذي يفتقد إلى منشآت حيوية واستراتيجية كتلك الموجودة في الكيان الصهيوني.

العالم مربك وفي حال ترقّب. مجريات الميدان حملت خسائر وأضرار، وأثبتت أن هناك معادلات جديدة حتى لا نقول توازنات جديدة. كل فعل يجلب ردة فعل موازية على أكثر من صعيد.

والمؤشرات الاقتصادية على صعيد العالم تدعو إلى القلق، وما حصل في الساعات الماضية في أسواق البورصات الإقليمية والدولية من انهيار كارثي أكبر دليل على ما يمكن أن تتركه الحرب الواسعة والشاملة بين «إسرائيل» وإيران، وإن من خلال حلفائهما في المنطقة، من آثار سلبية على مجمل الوضعين الاقتصادي والمالي في العالم كله.

العالم بانتظار ردود محور المقاومة، ورد فعل العدو عليها، ثم الردود على الردود…

محور المقاومة لن يلتزم لا قواعد الاشتباك ولا التهدئة ولا ضبط النفس، ولا تجنّب زيادة التصعيد في المنطقة ولا تشذيب الرد.

فكفّوا عن الرحلات المكوكية.

ما يريح الكون آنياً، هو إراحة الفلسطيني أولاً باحترام المقدسات وفك الحصار ووقف حملات الاعتقالات، وموقف أميركي جديّ وحازم يقول لنتنياهو: كفى… تنحّى… وحاول أن لا تكون أنت من يدق المسمار ما قبل الأخير في نعش «إسرائيل».