استُهدفت القواعد الاميركية مرارا في سوريا والعراق بوتيرة عالية، منذ بدء العدوان الاسرائيلي على غزة، ولكنها المرة الاولى التي يقتل فيها جنود اميركيون ويصاب عدد كبير منهم، كما حصل في قاعدة النتف بهجوم مسيّرة اسفرت عن مقتل ثلاثة جنود اميركيين على الحدود الاردنية وجرح اكثر من 30 جندياً. منذ تلك الحادثة والجميع يترقب الرد الاميركي المؤكد، ويتساءل عن حجمه الذي حتما سيكون له تأثير كبير وتداعيات سلبية على المنطقة. اما الاهم فهو من ستستهدف الولايات المتحدة الاميركية في ضربات “الانتقام” لمقتل جنودها قرب الحدود الاردنية.
بطبيعة الحال، ارتفع منسوب التوتر والتصعيد في منطقة ملتهبة ومشتعلة تعيش حروبا على عدة جبهات، بعد حصول عملية طوفان الاقصى التي نفذتها حماس في السابع من تشرين الاول الماضي. فهل المنطقة ذاهبة الى حرب كبرى، في حال قررت واشنطن ضرب ايران مباشرة؟ ام ان الادارة الاميركية سترد على الجهة المسؤولة عن الهجوم على القاعدة الاميركية قرب الحدود الاردنية، فتبقى الامور ضمن “تصعيد مسؤول” لا يجر الشرق الاوسط الى نيران الجحيم؟
ان الادارة الاميركية اتهمت حزب الله العراقي بتنفيذ الاعتداء على القاعدة الاميركية، واشارت الى انه حليف لايران، انما لم توجه اتهامها مباشرة للجمهورية الاسلامية الايرانية. وبدورها نفت ايران ضلوعها في الهجوم الذي حصل على الاميركيين على الحدود الاردنية، لافتة الى ان القوى العربية الحليفة لها هي من تقرر خطواتها وعملياتها من ضمنها استهداف مراكز تابعة للاميركيين.
في المقابل، علت اصوات في مجلس الشيوخ ومجلس النواب الاميركي طالبت بتوجيه ضربة كبرى ومباشرة لطهران، لمعاقبتها بشدة على مقتل الجنود الاميركيين. الغضب الاميركي عارم على ايران ، وقد ظهر على عدة مستويات، فالشعب الاميركي دعا الى ردع الجمهورية الاسلامية الايراينة الى جانب ممارسة اعضاء كثر من مجلس الشيوخ ومن الكونغرس الضغط السياسي على ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن، لتوجيه ضربة عسكرية مدمرة لايران.
اما ادارة بايدن فتدرس ردها بحكمة ودون انفعال على الاعتداء على قاعدتها وقتل جنودها قرب الحدود الشمالية الشرقية للاردن مع سوريا، حيث على الارجح تميل ادارة بايدن الى ان يكون الرد استراتيجيا ووفقا للمصلحة الاميركية في المنطقة.
وقصارى القول، ان واشنطن لا تريد تفجير المنطقة برمتها، بل ردع من حاول ويحاول التعدي على جيشها المتمركز في عدة دول عربية. من هنا، يبدو ان الانتقام سيكون من الجهة التي تبنت الهجوم وهي كتائب حزب الله العراقي، وقد تشمل الضربة الاميركية ايضا حركة النجباء والمقاومة الاسلامية العراقية. وعليه، هدف الرد الاميركي هو توجيه ضربات عسكرية امنية وليس فقط ضربات عسكرية، اي بمعنى اخر سيستهدف الجيش الاميركي قادة هذه التنظيمات انطلاقا من قول بايدن بتصفية رؤساء التنظيمات، عند تعهده بالانتقام لمقتل الجنود الاميركيين. وفي حال كان الرد الاميركي على هذه الفصائل العراقية الحليفة لايران، عندها تكون واشنطن وجهت ضربة موجعة ومباشرة لهذه القوى العسكرية العراقية، وبطريقة غير مباشرة لايران، بما ان اضعاف قوى عراقية موالية لطهران سيؤدي حتما الى تراجع النفوذ الايراني في العراق.
ان الولايات المتحدة الاميركية ورغم صراخ عدد لا بأس به من مسؤولين وسياسيين اميركيين بضرب ايران مباشرة، الا ان الادارة الاميركية لا تريد اشعال فتيل حرب كبرى في الشرق الاوسط، لان هذا يرتد سلبا عليها.
وعلى هذا الاساس، لا تبدو المنطقة ذاهبة الى تصعيد اقليمي كبير ولا حرب اميركية ـ ايرانية مباشرة، بل عمليات اميركية تردع بشكل قاس المنظمات العراقية العسكرية من تكرار استهداف قواعد للجيش الاميركي في الشرق الاوسط. وعليه، الامور ستظل مضبوطة في المنطقة بقرار من الادارة الاميركية، التي لا تريد تدهور الامور اكثر مما هي عليه الآن، ولا تسعى للوصول الى الحرب الشاملة.