تسلُّم دونالد ترامب الرئاسة الأميركية بعد غد هو بمثابة أعجوبة جاءت من أكبر ديموقراطية في العالم. فلدى مشاهدته والاستماع الى كلامه من الصعب الإدراك أن هذه الشخصية ستكون على رأس أكبر وأهم قوة في العالم. فوصف كلامه بأنه شعبوي وأن شخصيته قريبة الى ناخبيه من الطبقة الشعبية في أميركا ولكنه ثري وتوسع في عمله في مجال العقار الى أن أصبح مثل الأوساط المحيطة به بليونيراً، فكيف يكون شعبوياً؟ إن مظهره الخارجي يعطي الانطباع بأنه ممثل مسرحي وليس رئيس قوة عظمى.
قبل أربعة أيام من توليه الرئاسة، اختار انتقاد الشريك الأوروبي الأهم للولايات المتحدة المستشارة الألمانية انغيلا مركل لفتحها الباب أمام المهاجرين وقال أن السيارات الألمانية تملأ السوق الأميركية لذا يريد فرض ضريبة ٣٥ في المئة على استيراد السيارات، ما جعل وزير الخارجية الألماني يرد قائلاً: ليست مسؤوليتنا أن سياراتنا أفضل من السيارات الأميركية، فليصنع الأميركيون أفضل من سياراتنا. وقال ترامب أن منظمة «الناتو» تجاوزها الزمن، ما جعل الأوروبيين يقلقون من هذا الرأي الذي شاركه فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أما تعامله مع الصحافة الأميركية في مؤتمره الصحافي الأول حيث رفض أن يجيب عن سؤال لصحافي من شبكة «سي ان ان» بحجة أن محطته تنشر أخباراً «كاذبة» كما قال، فيشير أيضاً الى أنه يدخل في مواجهة مع الإعلام الذي لا يؤيده.
كل هذه المؤشرات مقلقة لما ستكون عليه رئاسة ترامب وأسلوبه في التعاطي مع العالم الخارجي. إلا أن بعض المسؤولين الذين عينهم مثل وزير خارجيته ريكس تيلرسون الرئيس السابق لشركة «اكسون موبيل» النفطية ووزير الدفاع جيمس ماتيس كليهما أظهرا عكس الرئيس المنتخب مواقف واقعية ومسؤولة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعملية القرصنة الروسية على شبكة «الانترنت». وكلاهما أظهرا أيضاً إدراكاً لطبيعة نظام بوتين رغم انه كثيراً ما قيل أن تيلرسون كان صديقاً لبوتين بحكم منصبه السابق كرئيس لـ «إكسون». أما مستشار ترامب للأمن القومي الجنرال مايكل فلين فهو معروف في فرنسا لأنه عمل فيها وله خبرة في التعامل مع الخارج. ولكن أهم ركن في الوسط الجديد هو جارد كوشنير زوج ابنة ترامب ايفانكا، ويرجح أن يكونا الأهم في إدارة ترامب وفي وضع سياسته الخارجية. كما عين ترامب دافيد فريدمان سفيراً في إسرائيل وهو مؤيد للمستوطنات. وكوشنير يهودي أرثوذكسي أجبر ايفانكا على اعتناق اليهودية كي يتزوج منها، ما يشير الى تعلقه القوي بدينه وبدولة إسرائيل وربما يعمل لتنفيذ ما قاله ترامب عن نقل سفارة أميركا في إسرائيل الى القدس. ولكنه يعرف أن لهذا ثمناً سياسياً باهظاً لأنه يزيد خطورة الوضع في منطقة الشرق الأوسط التي لا تنقصها نار إضافية على الحرائق المشتعلة في المنطقة. وقال ترامب أنه يريد إعادة الدور القيادي الأميركي في العالم بعد تراجعه في عهد أوباما. فصحيح أن أوباما في تعاطيه مع الملف السوري وإصراره على السعي لمحاولة التوصل الى التطبيع مع إيران عمل على تراجع هذا الدور القيادي. فخروجه العسكري من العراق كان فاشلاً كما كان التدخل الأميركي فيه. فأوباما أخرج القوات الأميركية وترك العراق بقيادة نوري المالكي في يد إيران. وعدم تحركه لمنع النظام السوري من استخدام السلاح النووي والادعاء بوضع خط أحمر يجب عدم تجاوزه، كل ذلك كان لأنه لا يريد التدخل لردع قوات الأسد من شن حرب على الشعب، ما أدى الى كارثة الحرب السورية وظهور «داعش» ودخول إيران و «حزب الله» وروسيا في هذه الحرب.
إن أوباما يبدو للمراقب الخارجي كرئيس له هيبة وشخصية وكاريزما ولكن سياسته في منطقة الشرق الأوسط كانت سيئة. فكانت المفاوضات مع إيران للملف النووي في أولوية سياسته في المنطقة في حين إن سياسات هذا البلد أخلّت بأمن الدول المجاورة وساهمت الى جانب بشار الأسد وفلاديمير بوتين في تدمير سورية وقتل مئات الآلاف من السوريين. فلننتظر كيف سيتبلور وعد ترامب بإعادة الدور القيادي لأميركا في العالم، مع الأمل بألا يكون أسوأ مما حدث في عهد سلفه للعالم العربي.