IMLebanon

فيلم أميركي طويل!

 

«راجعة بإذن الله.. إذا ما إجا شي من الله جرّبنا نتكل عليكن.. عدنا اتكلنا ع الله راجعة بإذن الله.. على أنحس بإذن الله لا تفكّرها عم بتقدّم.. كل واحد عايش عا هواه سامحهم يا أبتاه، يا أبتاه.. راجعة بإذن الله إن قلتوا إيه وإن قلتوا لا.. ما في رملة بتُحرُك إلّا بوحي من الله.. راجعة بأذن الله..» *زياد الرحباني

لم تعد الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط… أو «الفيلم الاميركي الطويل» في الشرق الأوسط، إذا جاز التعبير، مع الاعتذار الشديد من الفنان الرحباني الإبن العبقري زياد الرحباني صاحب التسمية التاريخية في مسرحيته التاريخية… سوى فيلم أميركي طويل في حقيقة الأمر والموضوع نظريًا وتطبيقيًا، من إعداد وإنتاج وإخراج اميركي بإمتياز، اميركي سطحي من ناحية وعميقا جدًا من نواحٍ عدة أخرى… نعم، فيلم أميركي طويل مُكرّر مُعجّل، بدأت أولى مؤشراته وعلاماته القديمة الجديدة مباشرة بعد سقوط برجي التجارة العالمية في التفاحة الكبيرة مدينة نيويورك الأميركية في الحادي عشر من شهر أيلول من العام 2001، والتي دفعت بالدب الاميركي إلى احتلال افغانستان الدولة (اللغز) في مراحل تاريخية عدة، واستخدامات جيواستراتيجية، وحروب العرض والطلب، والحاجة والاختراع، والتي توّجت حركة «طالبان» اللغز الآخر على رأس السلطة الدينية المتشدّدة (أكثر من مرّة) في تاريخها القديم الجديد في منطقة «تعجّ وتغلي بالأديان» مع ثروة لا تُعدّ ولا تُحصى في المرّة الثانية من كل أنواع الأسلحة والعتاد الثقيل التي تجاوزت الخمسين مليار دولار نساها أو تناساها «الأنكل سام» خلفه في الانسحاب الاستراتيجي اللغز الآخر…!

 

هذا ناهيكم عن البلد الذي وُلد وترعرع فيه تنظيم «القاعدة» الأصولي المتشدّد، في مواجهة خصم الولايات المتحدة الاميركية اللدود في تلك الحقبة من التاريخ اللغز والمُشفّر… اي حقبة الاحتلال السوفياتي لبلاد الرمال المتحركة والجبال الشاهقة المتعرّجة بعد سقوط حكومة كابول الموالية لموسكو في تلك الأيام الوجودية والمفصلية في تاريخ الحرب الباردة التي انتهت بعد اربعين عامًا من النزاعات وحروب الوكالات الحصرية في الساحات الدولية المفتوحة منها وخصوصًا ساحة الشرق الأوسط، بهزيمة السوفيات وبداية نهاية إمبراطورية البلاشفة وحلف وارسو (معاهدة أمن مشترك وُقّعت في وارسو عاصمة بولندا بين الاتحاد السوفياتي وسبع جمهوريات اشتراكية أخرى من الكتلة الشرقية في أيار من عام 1955 خلال الحرب الباردة)… كما احتل الدب الاميركي في تحالف عالمي آخر (عراق ما بين النهرين) أحد أكبر الدول العربية تاريخيًا وثالث أكبر مُصدّر للنفط في العالم وبداية ظهور الحضارات… من دون أن ننسى فصل «الربيع العربي» أو الخريف والشتاء الاصطناعي على مقياس ومقاسات متعددة ومختلفة… وإلى ظهور او خروج «داعش» واخواتها المتعددة من القبعات العميقة العديدة والمتعددة في وظائفها العميقة والعديدة والمتعددة… وظائف العرض والطلب العميقة والتي اختفت مثل الفقاعات ـ الفقاعات المليئة بالهواء الحامِض… والدماء الملوثة..!؟

 

في المناسبة، وفي سياق الحديث عن تلك الحقبة المستمرة حتى تاريخه باستثناء الحرب الباردة التى أصبحت (ساخنة) جدًا وتغلي على صفيح ساخن بأسماء ومسميات حروب جديدة ومستجدة… جرت أحداث مسرحية زياد الرحباني «فيلم اميركي طويل» خلال السنوات اﻷولى للحرب اﻷهلية اللبنانية او ما أصبح يُعرف بـ»حرب السنتين» داخل إحدى مستشفيات اﻷمراض العقلية الواقعة في بيروت الغربية افتراضيًا، حيث تقابل سبعة مرضى ومدمنان على المخدرات، بين جدران هذا المستشفى، والذين يعانون من حالات عصيبة جاء بعض منها كنتيجة مباشرة لما جرى خلال تلك الحرب المفتعلة في سياق المخطط المرسوم للشرق الأوسط ورسم خرائطه الجديدة والمستجدة… تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد… من دون ان يغيب عن بالنا إنّ المسرحية مقتبسة عن رواية «الطيران فوق عش الكوكو» الاميركية (One Flew Over the Cuckoo’s Nest).. والتي تحولت فيلماً سينمائياً منعت الحكومة الأميركية عرضه في معظم دور العرض في معظم أنحاء العالم، والذي نالني شرف مشاهدته في سينما شهرزاد في مدينة صيدا وانا ما زلت في عمر المراهقة… الرواية التي تدور حسب إعتقادي وقناعاتي حول ما قاله الفيلسوف أو رائد الكتابة الكابوسية فرانس كافكا يومًا: «إذا كان هناك ما هو أشدّ من الإفراط في المخدرات، فمن دون شك هو الإفراط في الوعي وإدراك الأشياء».

ربما كانت اللحظة الأهم في الفكر الإنساني هي لحظة الدهشة التي تعتري الذات أمام موضوع ما أو فكرة أو إشكالية. وعندما تُثار الدهشة تتنقل الذات من أفق العادي والمألوف إلى أفق التفكير والتحليل والتأمّل والسؤال. الفيلسوف «نيتشه» فيلسوف الحياة عبر كتاباته، نجده يبجّل التفكير ويصفه بالنشوة العارمة التي من خلالها يستيقظ الذهن الإنساني ليتمكن من [السؤال] والدهشة ومن ثم الإبداع.. يقول عبد الغفار مكاوي «لا شك عندي في أنّ نيتشه مفكّر وجد في التفكير وحده كل نشوته وعذابه، وبهجته وألمه، بل انّ التفكير المجرّد ليبلغ عنده تلك القمة التي يصبح فيها فكرًا غنيًا بالصور الحية التي تليق بفكر وفلسفة الحياة» وما سوف يكون وما يجب ان يكون أو يكون أو لا يكون في أهم أسئلة مركزية ووجودية. ويكفى أن نطّلع على فقرة واحدة مما كتب. وأن نتذكّر العبارة التي قالها في كتابه الأكبر «إرادة القوة»: «إنّ الفكر هو أقوى شيء نجده في كل مستويات الحياة»، والعبارة التي صرّح بها في إحدى كتاباته المتأخّرة: «إنّ التفكير المجرد لدى الكثيرين عناء وشقاء، أما عندي فهو في الأيام المؤاتية عيد ونشوة». نعم، التفكير المجرد أو المفهوم الذي يقارن في كثير من الأحيان مع التفكير العملي، أو التفكير الذي يقتصر على ما هو أمام الوجه، وهنا والآن. في المقابل، يمكن للمفكر التجريدي التصور أو التعميم، وفهم أنّ كل مفهوم يمكن أن يكون له معانٍ متعددة.

 

ما أشبه اليوم بالأمس… وما أشبه الأمس باليوم… نحن للأسف نأتي من بلاد تجتر تاريخها وماضيها ومن فيها… تجتر حاضرها ومستقبلها وتعود دائمًا الى النقطة ـ صفر… تعيش ماضيها كأنّه حاضرها وتعيش حاضرها كأنّه ماضيها… ولا تكترث لما يجري خارجها ولا تكترث لما يجري داخلها… دائمًا ما يشبه يومها أمسها ودائمًا ما يشبه أمسها يومها… وما أشبه اليوم بالأمس في المآسي التي تعيشها ولا تتعلّم منها.. والمهازل التي تسكنها ولا تحاول الخروج منها.. بلادنا هي بلادنا.. نعيش فيها ولا نتغيّر.. ونموت فيها ولا تتغيّر..! واحدة من أسخف الخرافات وأكثرها ضررًا كما يقول «ليف تولستوي» أن يشعر المرء بالخزي من تغيير قناعاته. إنّ تغييرها لا يدعو للخزي، لأنّ مغزى الحياة يتأسس على فهم متزايد أكثر فأكثر للنفس والذات والعالم، وعدم تغيير القناعات هو الذي يدعو للخزي وليس التغيير. نعم، ما أشبه اليوم بالأمس ـ والأمس باليوم في تاريخ جغرافية أو في جغرافية تاريخ النزاع والاستبداد والنزاعات الجهنمية والهمجية التي لا تتوقف تحت شعارات وعناوين عدة تكرّر نفسها وتعيد نفسها وتدور حول نفسها حتى تقع على نفسها.. وتقف وتقع.. وتقع وتقف.. وتقع وتقع وتقع… في دائرة لا تتوقف دون جدوى على رغم من الموت والدماء والمآسي والمهازل التي لا تتوقف ونحن للأسف لا نتحرّك من مكاننا.

أو كما يُقال «مكانك راوح» أو راوح مكانك… انظروا إلى هذه السفن وحاملات الطائرات والغواصات النووية وهي تجتمع أمام سواحلنا من الخليج إلى المحيط ومن المحيط إلى الخليج، وكأننا نشاهد فيلماً أميركياً طويلًا معاداً عشرات المرات… ومن المحيط إلى القناة ومن القناة إلى البحر ومن البحر إلى المضيق ومن المضيق إلى الباب ومن الباب إلى الشباك كانوا يعدّون الخرائط أو كانوا يعدّون الجنازة… نعم، يعدّون قوة يمكنها تدمير خمسة كواكب من حجم الأرض. ومن يعتقد أو يظن أنّها جاءت من أجل قتال «الارهاب والكباب» الذي اخترعوه، فعليه مراجعة نفسه الأمّارة بالسوء أو مراجعة «عادل إمام» بطل فيلم «الارهاب والكباب» بكل أمانة وصدق وموضوعية.. أو الذهاب إلى أقرب عيادة للأمراض النفسية أو الأمراض السياسية والعودة إلى المدارس الابتدائية في تدريس ألف باء السياسة الابتدائية. القضاء على الارهاب المفترض لا يحتاج إلاّ إلى إشارة من هنا أو مجرد «كبسة زر» من هناك في دهاليز الدولة العميقة على هذا الزر أو ذاك وكفى «المؤمنين» شرّ القتال وما هي إلاّ دقائق حتى يبدأ العدّ العكسي لوقف العرض وإسدال الستارة ويبدأ القرّاء الرسميون قراءة ما تيسر من بروتوكولات الدولة «الكونية» العميقة على قبر الشرق الأوسط «القديم» بالعربية «الجديدة» الفصحى.. أو لغة «النتنتة» العربية الجديدة الفصحى.. أو العبرية الفصحى!