IMLebanon

إجراءات أميركية قاسية تنتظر لبنان؟

 

من المفترض أن يشكّل الاعلان عن البيان الوزاري الامتحان الاول لحكومة الرئيس حسان دياب قبل نيلها الثقة، والذهاب الى الامتحان الثاني الأصعب وهو الذي يتعلق بالإصلاحات المطلوبة بدءاً من ملف الكهرباء.

الواضح حتى الآن انّ هناك مسألتين أساسيتين:

 

ـ الأولى، عدم الحماسة العربية لاحتضان هذه الحكومة، ما يطرح علامات استفهام حيال التعويل على المساعدات المالية الخليجية لوقف الانهيار النقدي والاقتصادي في لبنان.

 

ـ الثانية، الاختلاف في النظرة بين واشنطن وباريس حول طريقة التعاطي مع الحكومة.

 

فالسلطات الفرنسية تريد إعطاء «فترة سماح»، أو ربما فترة اختبار للحكومة انطلاقاً من قدرتها على تحقيق الاصلاحات المطلوبة.

 

واذا ما تمّ التدقيق أكثر في الموقف الفرنسي نلمس مرونة مردّها الى الخوف الذي يُبديه المسؤولون الفرنسيون من عدم قدرة تحمّل التركيبة اللبنانية للتحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها، وبالتالي انفجار الوضع الداخلي في لحظة ما قد لا تكون بعيدة وتفكّك الدولة والمؤسسات اللبنانية. فطالما انّ التأسيس لحل ثابت بات مرتبطاً بالاتفاق الاميركي – الايراني، والذي ما يزال يحتاج لظروف مختلفة ولوقت أطول، فإنّ الحكمة تقضي بمساعدة لبنان على إمرار المرحلة الصعبة من خلال مدّه بالأوكسيجين المطلوب لإبقائه على قيد الحياة ولو داخل غرفة العناية الفائقة.

 

لذلك مثلاً تعوّل باريس على فتح الحكومة ملف الكهرباء، ووضع خطة معدّلة عن تلك الموجودة حالياً ولا تحمل في طياتها أي بنود او زوايا قابلة للتأويل.

 

لا بل أكثر، فإنّ مسؤولين كباراً في شركة «توتال» الفرنسية سيزورون لبنان الشهر المقبل في إطار مشروع التنقيب عن الغاز البحري، رغم انّ هذا الملف مرتبط بترسيم الحدود البرية والبحرية مع اسرائيل والمرتبط بدوره، ولو بطريقة غير مباشرة، بالمناخ السائد بين واشنطن وطهران.

 

صحيح انّ الموقف الفرنسي يتضمن بعض المرونة لناحية عدم وجود نية مسبقة لمحاربة حكومة دياب ومواجهتها، إلّا انّ التأثير الأكبر يبقى للولايات المتحدة الاميركية وهنا «بيت القصيد».

 

ففي واشنطن وجهتا نظر تتنازعان حال طريقة التعاطي مع لبنان في ظل الحكومة الجديدة. وجهة النظر الاولى، يتمسّك بها بعض الديبلوماسيين في وزارة الخارجية الاميركية وفي طليعتهم نائب وزير الخارجية السفير ديفيد هيل، والتي تُبدي تفهّماً لتعقيدات الواقع اللبناني وضرورة معالجته بشيء من المرونة مع المحافظة على الاهداف السياسية المطلوبة. أي من خلال تجزئة المراحل ومراعاة التركيبة اللبنانية الهَشّة بطبيعتها. وقد لا يكون أصحاب وجهة النظر هذه بعيدين كثيراً عن وجهة النظر الفرنسية.

 

أما وجهة النظر الثانية فيتمسّك بها مسؤولون في ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذين يُسمون «رجال البيت الابيض»، وتبدو متشددة حيال عدم إهدار الفرصة الموجودة والذهاب الى الضغط اكثر على الداخل اللبناني وصولاً الى الاهداف المطلوبة، وفي طليعتها إبعاد تأثير «حزب الله» عن السلطة اللبنانية.

 

ويدعو أصحاب وجهة النظر هذه مثلاً الى قطع كل انواع المساعدات الى لبنان باستثناء المساعدات العسكرية المقدّمة للجيش اللبناني، والاندفاع اكثر في ملف العقوبات «لأنّ أموال دافعي الضرائب الاميركيين تذهب الى حكومة من صنع «حزب الله»، على ما يدّعي هؤلاء.

 

وفي الواقع فإنّ أنصار وجهة نظر الفريق الاول، أي فريق وزارة الخارجية، يخالفون جماعة البيت الابيض في توصيفهم للحكومة. ويقول هؤلاء انه «صحيح أنّ لـ«حزب الله» تأثيراً في الحكومة الحالية، لكنه أضعف من التأثير الذي كان يحصل سابقاً».

 

وتتحدث بعض المعلومات عن وجود توجّه داخل فريق البيت الابيض الى اتخاذ إجراءات عملية تدفع الحكومة اللبنانية الى الوقوف في وجه الطبقة السياسية الفاسدة، لأنّ الاتكال على المبادرة الذاتية للحكومة مسألة مفروغ منها وفق التجارب السابقة.

 

ويقترح هؤلاء الاعلان عن عقوبات تستهدف بعض الجهات الفاعلة الأكثر فساداً من مختلف ألوان الانتماء السياسي والطائفي اللبناني بموجب قانون «ماغنتسكي» الدولي.

 

وهذا القانون كان قد صادقَ عليه الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما عام 2012 بعدما تقدّم به أعضاء من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، وهو نَصّ على معاقبة الشخصيات الروسية المتهمة بوفاة محاسب الضرائب الروسي في سجنه في موسكو عام 2009، قبل ان يجري تفعيله عام 2016 ليصبح صالحاً على المستوى العالمي.

 

وبات هذا القانون يخوّل الحكومة الاميركية فرض عقوبات على مُنتهكي حقوق الإنسان في كل انحاء العالم، من خلال تجميد أصولهم ومنعهم من دخول الاراضي الاميركية، اضافة الى عقوبات أخرى.

 

ويُبدي أصحاب وجهة النظر قلقهم من أن تعمد حكومة دياب الى استهدافات سياسية تحت عنوان ضرب الفساد.

 

حتى الآن ما يزال القرار الاميركي يتأرجح بين وجهتي نظر البيت الابيض والخارجية الاميركية، ولو انّ النظام الرئاسي الأميركي يُعطي القرار النهائي في العادة للبيت الابيض، وهو ما حصل في معظم الاوقات سابقاً.

 

وفيما يتحدث البعض عن زيارة من المرجّح أن يقوم بها مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شينكر للبنان بعد نيل الحكومة الثقة، وهو المحسوب على فريق البيت الابيض أكثر منه على فريق وزارة الخارجية، فإنّ السفيرة الاميركية الجديدة في لبنان دوروثي شيا تستعد للمجيء وتَسلّم مهماتها الشهر المقبل.

 

ولا بد من الإشارة هنا الى ما كانت قد قالته خلال جلسة الاستماع اليها في الكونغرس خلال تشرين الثاني الماضي من «أنّ رسالة المتظاهرين في لبنان واضحة جداً، وهي أنّ الشعب اللبناني اكتفى من قادته الذين يعيشون برخاء، في حين انّ بقية البلاد تكافح تحت وطأة الديون الساحقة وفي غياب معظم الخدمات الاساسية بما في ذلك أزمة النفايات والكهرباء والتلوث».

 

واعتبرت «انّ اي حكومة جديدة ستفشل في حال لم تَتبنّ حاجات الشعب اللبناني بالاصلاح الحقيقي والدائم. وفي حال تبنّى القادة الاصلاحات، فنحن على استعداد للعمل مع الحكومة والشعب لإعادة بناء الاقتصاد المدمّر».