رسالة أميركية للإسرائيليين: لعدم التصعيد واقبلوا بمعادلة «ضربة مقابل ضربة»
تعيش المنطقة ومعها العالم بأسره حالة من حبس الأنفاس لمعرفة ما ستؤول إليه الأوضاع بعد الرد الإيراني على تدمير إسرائيل قنصليتها في العاصمة السورية دمشق، حيث تبرز مخاوف حقيقية من إمكانية تدحرج الأمور في اتجاه حرب واسعة لا يمكن لأحد أن يعرف الى ما ستنتهي إليه.
من هنا فإن دول القرار مستنفرة بكل قواها لضبط إيقاع هذا التوتر، واحتواء عمليات التصعيد، ولا سيما أن طهران أعلنت بشكل واضح انها لا تريد الحرب، وأنها تكتفي بما قامت به من رد، غير أنها ستعاود الرد بأشكال مضاعفة وغير متوقعة في حال ارتكبت تل أبيب حماقة من خلال توجيه أي ضربة لأهداف إيرانية مهما كان حجمها ونوعها وفي أي مكان كان، فالرد الايراني الأول كان مدروساً ومضبوطاً، إنما لم يكن متوقعاً بهذا القدر والحجم، ولولا شراكة الولايات المتحدة وبعض الدول الحليفة لها في التصدّي للمسيّرات والصواريخ الإيرانية قبل وصولها الى أهدافها في إسرائيل، لكان الأمر كارثياً، أما الرد الثاني في حال حصوله سيكون مختلفا كليا من حيث الشكل وبنك الأهداف، والجهات التي ستشارك فيه، إذ من الممكن أن لا يقتصر الرد هذه المرة على إيران وحدها ومن داخل الأراضي الإيرانية، بل يمكن أن تشارك فيه أطراف أخرى ومن مناطق مختلفة في المنطقة.
صحيح أن هناك ضغوطاً دولية وفي مقدمتها ألأميركية منها لثني حكومة نتنياهو عن أخذ أي قرار بالتصعيد والاكتفاء بمعادلة «ضربة مقابل ضربة»، من منطلق أن واشنطن ومعها بعض الدول الغربية لا ترغب باندلاع حرب في المنطقة، غير أن هذه الضغوط ما تزال تقف على عتبة التعنّت الإسرائيلي والإصرار على توجيه ضربة الى إيران وان كانت غير مؤذية، ولكن من باب حفظ ماء الوجه، لأن ما حصل في الرابع عشر من نيسان هو بالنسبة لإسرائيل بمثابة «طوفان أقصى رقم 2» أو تكملة لما حدث في السابع من تشرين الأول الماضي، وهو بالنسبة لتل أبيب كسر للهيبة الإسرائيلية وصفعة تكاد تكون الأولى منذ احتلالها لفلسطين في العام 1948.
وفي رأي مصدر وزاري لبناني واسع الاطّلاع أن الهيبة الإسرائيلية انكسرت، وأن إيران استطاعت أن تقتلع باب خيبر، وان كانت القلعة لم تسقط بعد، ويقول انه رغم تلقّي إسرائيل المساعدة من كل الدول العظمى وبعض الحلفاء ، فقد أثبتت إيران أن لديها اليد الطولى في غرب آسيا، وأنها لا تتهاون في الدفاع عن سيادتها، وأنها تتعاطى مع حلفائها من خلال علاقة مبنية على الاحترام المتبادل، بحيث لو أن هذه العلاقة هي بين تابع ومتبوع لكانت طلبت من حلفائها في المنطقة الرد على ضرب قنصليتها في سوريا، بينما تولّت هي بنفسها الرد المباشر على هذا العدوان.
ويعرب المصدر عن اعتقاده بأن بنيامين نتنياهو سيحاول استغلال الوضع المستجد لتحسين قوة الردع ، وإذا أراد الرد كما يقول فإنه سيواجه بشكل غير مسبوق من قبل القوة الصاروخية لدى إيران، وكذلك من قبل أسراب المسيّرات التي قد تغطي كل الأجواء الإسرائيلية.
وعما إذا كان ذلك من الممكن أن يؤدي الى حرب واسعة على لبنان، يسارع المصدر الى استبعاد ذلك، ويقول: ان العدو الإسرائيلي لن يكون لديه الوقت الكافي لمواجهة الصواريخ التي ستنطلق من لبنان، وبدليل أن «حزب الله» يرسل مسيّراته وصواريخه ويصيب أهدافه، فكيف سيكون عليه حال «القبة الحديدية» إذا انطلقت صليات كبيرة من الصواريخ باتجاه القواعد والتجمعات الإسرائيلية، فالخطر الذي يشكّله الحزب على الكيان الصهيوني هو كبير جداً، والقادة في إسرائيل يعرفون تماما هذه الحقيقة.
ويلفت المصدر الوزاري أن نتنياهو وجنرالات حربه غير مستوعبين الى الآن ما حصل، لأنه في رأيهم لم يتجرأ أحد على مدى عقود من الزمن على ضرب إسرائيل.
وفي حال قرر نتنياهو أخذ خيار الرد والحرب الواسعة يؤكد المصدر انه بذلك يكون كمن يحفر قبره بيده، فإسرائيل كانت الحامية للغرب في المنطقة وأصبحت بعد الرد الإيراني المحمية، كما انها أصبحت عبئاً استراتيجياً على الغرب، بعد أن وجدت لتكون حامية له ولمصالحه في المنطقة.
في موازاة ذلك فان مسؤولين أميركيين يعتقدون أن الخيارات الإسرائيلية قد تشمل توجيه ضربات داخل سوريا، وأن لا يستهدف الرد مسؤولين إيرانيين كبارا، بل أن يستهدف بدلا من ذلك الشحنات أو مرافق التخزين التي تحتوي على أجزاء صواريخ متقدمة أو أسلحة أو مكونات يتم إرسالها من إيران إلى «حزب الله»، على اعتبار أن الرد الإيراني لم يؤدِّ الى سقوط قتلى عسكريين أو مدنيين إسرائيليين، وهم يشددون على أن الولايات المتحدة لا تنوي المشاركة في الرد العسكري، متوقعين أن تقوم إسرائيل بمشاركة المعلومات حول الإجراءات مع واشنطن مقدما، وتحديدا إذا كان من الممكن أن يكون لها تداعيات سلبية على الأميركيين في المنطقة.
في المقابل ترى أوساط سياسية لبنانية متابعة أن إيران تعتبر أنها قامت بما يتوجب عليها كرد فعل على استهداف قنصليتها في دمشق، وأنها اليوم في وضع المراقب لما ستقوم به تل أبيب، فالكرة هي في ملعب مجلس الحرب الإسرائيلي، وقدرة الأميركيين على الضغط والتأثير. فإن قرر الإسرائيلي المضي بالرد على إيران والتصعيد العسكري، فإن المنطقة ستتوتر أكثر بعد إعلان الإيرانيين بأنهم سيعاودون الرد على أي تصعيد إسرائيلي لكن بطرق مختلفة وبأساليب وأنواع من الأسلحة غير متوقعة.
وأعربت هذه الأوساط عن مخاوفها من أن يدير نتنياهو الأذن الطرشاء للنصائح الأميركية والأوروبية، والذهاب الى توتير الوضع على مساحة المنطقة في محاولة منه لتقطيع الوقت، الى حين انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، ظناً منه أن بايدن لن يفوز بولاية ثانية، وانه في حال فوز الرئيس السابق دونالد ترامب، فان التعاطي الأميركي مع إسرائيل وعلى مستوى ملفات المنطقة مختلفا كلياً عما هو عليه اليوم. من هنا فان حكومة نتنياهو قد تذهب في خيار الرد على إيران وان بشكل محدود، معوّلة على القرار الأميركي والحلفاء بالدفاع عنها، ان هي تعرّضت للهجوم.