رسائل أميركيّة الى إيران وحزب الله “لضبط النفس”!
حكومة الحرب تتخلّى عن المهلة الزمنيّة للديبلوماسيّة
في معرض تعليقه على رفض لبنان نشوب حرب على الحدود الجنوبية، قال وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب من نيويورك، ان هذه الحرب التي نحاول ان نمنع حدوثها لن تكون نزهة بالنسبة الى “اسرائيل”. هذا الكلام من اعلى هرم الديبلوماسية اللبنانية لم يأت من فراغ، وهو يستند الى وقائع ميدانية يعرفها “الاسرائيليون” جيدا، وفي طليعتهم “الجيش الاسرائيلي” الذي يختبر يوميا الحرب المصغرة بتعقيداتها مع حزب الله، الذي لم يستخدم حتى الآن الا 5 في المئة من قدراته العسكرية. لكن هل تمنع هذه الوقائع الحرب؟ وهل تنجح واشنطن في منع “اسرائيل” من “الانتحار”؟
قبل الدخول في حيثيات الوقائع الميدانية “وبعيون اسرائيلية”، تكشف مصادر ديبلوماسية ان بوحبيب تبلغ مرة جديدة عبر قنوات رسمية اميركية ما سمعه مسؤولون لبنانيون في بيروت، بان واشنطن تحتاج الى “ضبط نفس” من قبل حزب الله، بعد ان باتت الادارة الاميركية على يقين ان حكومة الحرب في “اسرائيل” تريد توسيع الحرب في المنطقة لاهداف شخصية تتعلق برئيس الحكومة بنيامين نتانياهو.
وفي هذا السياق، تواصل الاميركيون ايضا مع العمانيون وطلبوا منهم ايصال رسائل مباشرة الى طهران، حول ضرورة عدم توسيع عمليات الاستفزاز في المنطقة، ومنح الرئيس جو بايدن المزيد من الوقت لمحاولة ايجاد طريقة مناسبة للضغط على “اسرائيل”، وايجاد صيغة مناسبة لتبريد الاجواء في غزة، وصولا الى تفاهمات طويلة الامد في المنطقة. وكان الجواب الايراني كما رد حزب الله، بان وقف الحرب في غزة يعتبر المدخل الاساسي للتهدئة، ولا احد يرغب في التصعيد.
في المقابل، وعلى الرغم من التهديدات “الإسرائيليّة” الصادرة عن كبار المسؤولين بقصف بيروت وتحويلها إلى غزّة ثانيّة، لا تزال “الحكومة الاسرائيلية” على انقسامها حيال كيفية التصرف مع الجبهة الشمالية، ووفقا لتلك المصادر، لم تصل جلسة حكومة الحرب التي عقدت في الشمال الى خلاصات نهائية حيال الخطوة التالية، لكن الجديد انها خفضت سقف الضغط والابتزاز الذي تمارسه على الجانب الاميركي، عندما تخلت عن موعد آخر الشهر كمهلة نهائية لايجاد حل ديبلوماسي لمعضلة الحدود مع لبنان، وهذا ما يمنح الاميركيين فرصة اكبر للتحرك، بالتوازي مع الاتصالات المكثفة للوصول الى هدنة لمدة شهر في غزة.
في هذا الوقت، خرجت تصريحات جديدة لكبار العسكريين “الاسرائيليين”، حذرت من الدخول الى “الوحل” اللبناني مجددا، ونقلت صحيفة “معاريف الاسرائيلية” عن مصادر أمنيّة رفيعة في “تل أبيب”، تأكيدها انّ الحرب بين “إسرائيل” وحزب الله ستكون أكثر فتكًا بكثير من حرب لبنان الثانية، وتشير التقديرات إلى أنّ حزب الله هو أقوى منظمة مسلحة في الشرق الأوسط، حيث يمتلك ترسانة تضم أكثر من 150 ألف صاروخ منتشرة في جميع أنحاء لبنان، وقد توقّع رئيس مجلس الأمن القوميّ “الإسرائيليّ” السابق إيال حولاتا، أن يصل عدد القتلى في “إسرائيل” بحال اندلاع حرب مع حزب الله إلى 15 ألفا.
بدورها، رأت مراسلة الشؤون العسكرية في صحيفة “إسرائيل هيوم” ليلاخ شوفال، أنّ الاحتمالات بحدوث حرب شاملة مع حزب الله في الشمال تتزايد، وكشفت ان وزيرالأمن يوآف غالانت سيشرف على “مناورة حرب” الشهر المقبل، وفي إطارها ستعرض كلّ وزارات الحكومة ذات الصلة خططها للسيناريو الاسوأ. ولفتت الى انه جرى تحديث الخطط العملانية، وتكثيف الاستعدادات لمواجهة تداعيات هذه الحرب على الجبهة الداخليّة.
ووفق شوفال، تشير التوقعات الى احتمال حصول (ظلامٍ قطريٍّ)، بعبارةٍ أخرى وضع يكون فيه ما لا يقل عن 60 في المائة من السكان دون كهرباء، لفترة تتراوح بين 24 و48 ساعة. وفي إطار السيناريوهات المنطقية، طالبت الحكومة بالاستعداد أيضًا لانقطاعٍ إقليميٍّ للكهرباء، والذي قد يستمر حوالى 72 ساعة. وفي إطار عرض سيناريو الحرب، من المتوقع أنْ تطرح وزارة الاقتصاد خطة في إطارها سيتّم تحديد المحلات التجاريّة التي ستستمر في العمل حتى أثناء انقطاع الكهرباء باستخدام المولدات الكهربائية، ووضعت المؤسسة الأمنية أيضًا خطة لإخلاء جماعي طوعي للمواطنين من الشمال، ويُحدّثون خطّة (فندق الضيوف) لإيجاد مأوى للذين سيتّم إجلاؤهم، لكن تبقى المشكلة ان الفنادق في الكيان انها باتت مليئة بسبب تهجير سُكّان الشمال والجنوب إليها منذ تشرين الأول الماضي!
في الخلاصة، ووفقا للجنرال “الاسرائيلي” المتقاعد نوعام تيفون، فان “إسرائيل” فقدت قوّة الردع، ولم يبقَ أحد في المنطقة يخشاها، لهذا تبحث عما يعيد لها “الردع” المفقود، ولكنها تصطدم بعائقين اساسيين:
– الاول: قوة حزب الله ومفاجآته التي قد “تقلب الطاولة” وتصيبه بخسارة استراتيجية غير محسوبة.
– ثانيا: رفض الإدارة الأميركية التي غرقت ايضا بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الحرب في قطاع غزة، في “مستنقع” لا تعرف كيفية الخروج منه حتى الآن، لكنها تحاول التقليل من الخسائر، من خلال منع “اسرائيل” من توريطها في حرب مع ايران.
ومن هنا، تعمل الإدارة الأميركية على محاولة وضع “التشكيلة الهندسية الإقليمية” لليوم التالي للحرب، لكن الطريق إلى تشكيلها طويلة وحافلة بالعقبات، لان “إسرائيل” تماطل وتتهرب، ويمكن التقدير بأن الرئيس الأميركي لا ينوي التنازل والضغط على “إسرائيل” في هذا الموضوع ، لان الواقع المعقد للحملة الانتخابية للرئاسة والكونغرس يقلص هامش المناورة لديه، واذا اصرت حكومة “إسرائيل” على عدم التعاون، فهذا يضع بايدن امام مأزق جدي قد يصبح اكثر خطورة، اذا اختارت حكومة الحرب الهروب الى الامام بحرب ضد حزب الله، لان نتائجها ستكون كارثية وخسائرها الاستراتيجية لا تعد ولا تحصى. لهذا يمكن القول ان الادارة الاميركية تبدو في “سباق مع الوقت”، وتأمل في نجاح مساعي التوصل الى هدنة في غزة، لمحاولة تبريد الجبهات في المنطقة، ومنع “اسرائيل” من “الانتحار”!