صدرت مؤخّراً معلومات عن استعداد اميركي للتفاوض مع السلطات العراقية حول اتفاق لانسحاب القوات الاميركية من العراق وربما من شمال سوريا، وإنهاء مهمّة التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق للقضاء على تنظيم «داعش». وانّ الادارة الاميركية أبدت استعدادها لبدء المحادثات، في رسالة إلى الحكومة العراقية سلّمتها السفيرة الأميركية في العراق آلينا رومانوسكي لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين يوم الأربعاء الماضي.
وذكرت الخارجية العراقية، أنّه جرى تسلّم رسالة مهمّة، وأنّ رئيس الوزراء سيدرسها بعناية، من دون الخوض في تفاصيل.
وأشارت مصادر المعلومات إلى أنّ الولايات المتحدة أسقطت بهذه الخطوة شروطاً مسبقة بأن توقف فصائل عراقية مسلّحة مدعومة من إيران الهجمات عليها أولًا.
وحسب المعلومات، فمن المتوقع أن تستغرق المحادثات أشهراً عدة، إن لم يكن أكثر، غير أنّ نتيجتها ليست واضحة، ما يعني أنّ انسحاب القوات الأميركية ليس وشيكاً، لا سيما وانّ العراق لم يحدّد موقفه من الرسالة الاميركية ولا توجّهاته التفصيلية لمثل هذه المفاوضات إن حصلت.
وفي حين نفى مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، وجود خطط لتغيير حجم التواجد العسكري الاميركي في سوريا او سحب القوات، مع انّ مجلة «فورين بوليسي»، نقلت عن مصادر في وزارتي الدفاع والخارجية أنّ هناك نقاشاً دائراً، بشأن كيفية وموعد سحب هذه القوات من سوريا، مشيرةً إلى أنّه لم يُتخذ أي قرار رسمي بالانسحاب. وذكرت المجلة أنّ «البيت الأبيض لم يعد يستثمر في المهمّة القائمة في سوريا، التي يُنظر إليها على أنّها لم تعد ضرورية». وبالمقابل، لم يصدر اي موقف اميركي رسمي عن التوجّهات المستقبلية في العراق.
لكن بدا من التسريبات انّ الإدارة الاميركية تعاني ضغوطاً عسكرية كبيرة نتيجة شن اكثر من 155 ضربة عسكرية ضدّ قواعدها في العراق وشمال سوريا حسب اعلانها، كما انّها منشغلة جداً بمواجهة هجمات الحوثيين في اليمن على السفن العابرة في الخليج والبحر الاحمر، مع انّها شنّت ضربات عديدة على من استهدفها في العراق وسوريا وفي اليمن، ما يعني انّها عملياً دخلت الحرب القائمة من غزة الى دول المنطقة الاخرى ومنها لبنان.
لكن العراق، وعلى لسان رئيس وزرائه محمد شياع السوداني، اكّد بأنّه «يريد خروجاً سريعاً ومنظّماً لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من بلاده». وقال السوداني: «لنتفق على إطار زمني للانسحاب يكون سريعاً حتى لا نطيل أمد الوجود وتبقى الهجمات على القوات الاميركية مستمرة». مشيراً إلى «أنّ الطريقة الوحيدة لتفادي حدوث تصعيد إقليمي هو وقف الحرب في غزة». وبهذا اكّد السوداني انّه ما بعد حرب غزة لن يكون وضع المنطقة كما قبلها، لجهة سحب القوات الأجنبية منها وترتيب اوضاعها وفق نتائج الحرب، التي تخسر فيها اميركا وحلفاؤها، لا سيما اسرائيل، الكثير كما يخسر الطرف الآخر.
وفي آخر تطور حول الموضوع امس الاول الاربعاء، أكّد متحدث باسم الخارجية الأميركية، لقناة «الحرة» الاميركية، «أنّ واشنطن وبغداد اقتربتا من التوافق على بدء عمل اللجنة العسكرية العليا تمهيداً لتحويل مهمّة التحالف الدولي لدحر «داعش» والذي تقوده الولايات المتحدة إلى علاقات أمنية ثنائية، وأنّ الولايات المتحدة والعراق اقتربا من التوافق بشأن بدء حوار اللجنة العسكرية العليا، والتي تمّ الإعلان عنها سابقاً في شهر آب الماضي».
وبغض النظر عمّن جرّ اميركا للحرب، هل هو نتنياهو ام «محور المقاومة»، ام انّها تحاول إثبات تمسّكها بالحضور في الشرق الاوسط عبر استعراضات القوة، فإنّ ما يُقال في الأروقة الاميركية العسكرية والسياسية، يشير الى رغبة اميركية في تخفيف التوترات الاقليمية في الشرق الاوسط، لا سيما بعد انسحابها من افغانستان العام الماضي، وهو ما عبّر عنه قبل ايام وزير الدفاع الاميركي لويد اوستن بقوله: «نحن لا نسعى إلى تصعيد الصراع في المنطقة»… وقال امس: «إنّ اللجنة العسكرية ستمكن الولايات المتحدة والعراق من الانتقال لعلاقة أمنية مستدامة، بناءً على نجاح العراق في هزيمة «داعش». والولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بالحفاظ على أمن واستقرار وسيادة العراق».
لكن الموقف الاميركي لا يعني حصول اي تراجع عمّا تُسمّيه اميركا مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، بخاصة انّ الشرق الاوسط هو بوابة الغرب على الشرق وعلى روسيا وعلى حلفائها كما على كل خصومها. ويُخشى انّه كما تركت اميركا افغانستان للفوضى مجدداً وقبله العراق بعد انسحابها الجزئي منه عامي 2010 و2011، ان تترك المنطقة كلها للفوضى اذا اضطرت للإنسحاب تحت الضغط العسكري والشعبي، إلّا اذا توصلت الى اتفاقات مع دول الإقليم لضمان مصالحها الاستراتيجية الحيوية، وبما يؤّمن الاستقرار السياسي والعسكري فيها. والامر مرهون دوماً بما يقرّره الميدان العسكري. لذلك لا يبدو انّ الانسحاب من العراق وسوريا والخليج امراً سهلاً وقريباً.
اما الوضع بين لبنان والكيان الاسرائيلي، فله حسابات وتصرّفات اميركية خاصة، لأنّ الاميركي غير مستهدف عسكرياً في لبنان، بل انّ جبهته وحسب ما يتصرّف «حزب الله» وبإعتراف البنتاغون الاميركي، لا توحي برغبة الحزب بتوسيع الحرب.