ما زال الحراك الأميركي قاصراً عن وقف الإندفاعة التدميرية الهوجاء في لبنان لرئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتفيد معلومات مصادر دبلوماسية موثوقة ومتابعة عن قُرب لـ «اللواء»، ان هذا الحراك هو محاولة لإبقاء المساعي الدبلوماسية قائمة ومستمرة ولو بشروط غير مقبولة بمعظمها من لبنان ومن المقاومة، لأنها تهدف الى تعويم نتنياهو وإنقاذه من نفسه ومن تهوّره، وإخراجه من مأزق الحرب البرية التي بدأها قبل نحو عشرة أيام، وما زال يومياً يتلقّى نتائجها السيئة من قادة جيشه في الجبهة، وآخرها فجر أمس في بليدا وفي تلة المدوّر في بلدة رامية، وعصراً في مثلث عيتا الشعب – راميا – القوزح (أكثرمن 5 قتلى و26جريحاً)، بعد الفشل الذريع في العديسة وعيترون ويارون ومارون الراس.
وتؤكد المصادر انه برغم تدخّل وزير الخارجية الأميركية انطوني بلينكن شخصيا خلال اليومين الماضيين عبر اتصالاته بالرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، واتصالات الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين بالرئيسين أيضاً، فالوقت الحالي ليس للدبلوماسية ولو استمرت المحاولات المكثفة لإبقائها «على النار» ولو صُوَرِياً، في ظل استمرار المجازر ضد المدنيين اللبنانيين وسياسة التدمير الشامل التي لم تضغط أميركا لوقفها، وفي ظل احتدام المعارك البرية بمحاور الجنوب واستمرار الغارات التدميرية على بيروت ومناطق واسعة من الجنوب والبقاع وصولا الى الجبل وكسروان والشمال، فما زالت الكلمة للميدان لا للكلام المنمّق ولا لطرح الشروط.
وتُقرُّ المصادر ان الإدارة الأميركية تعطي إسرائيل ما لا تعطيه للبنان، من دعم سياسي حقيقي وعسكري وتطمينات تتم ترجمتها ميدانياً، بل ان المعطيات تشير الى ان «الإدارة والدولة الأميركية العميقة» تُشجع نتنياهو على طرح «التفاوض تحت النار» كما قال هو قبل أسبوع، سعياً منهما لتحقيق مكسب ولو بسيط على الأرض يمكّنهما من فرض الشروط التي يريدانها على لبنان وعلى المقاومة لوقف إطلاق النار وإجراء الترتيبات الأمنية والإجرائية على الحدود. وهذا ما استشعره حزب الله سريعاً ورفض التعاطي معه تاركاً أمر التفاوض والأخذ والرد للرئيس بري كما قال نائب أمين العام حزب الله الشيخ نعيم قاسم في آخر كلمة له، وكما قال مسؤول العلاقات الإعلامية محمد عفيف من بين أنقاض الغارات على طريق المطار القديمة «بأنه لا يراهن أحد على الاستثمار السياسي للعدوان»، كما يحاول الأميركي والإسرائيلي وبعض الداخل اللبناني أن يفعل، لا سيما في موضوع رئاسة الجمهورية لفرض المرشح الذي «ترتاح» إليه الإدارة الأميركية بشكل خاص.
وبرأي المصادر، لعلّ أقصى ما توصل إليه المسعى الأميركي وبتأييد فرنسي، هو موافقة لبنان «المبدئية» على وقف إطلاق النار في الجنوب لكن بلا شروط وزيادة عديد الجيش في الجنوب الى جانب قوات اليونيفيل وتطبيق القرار 1701 لكن من الجانبين اللبناني والفلسطيني، علماً ان الذي جرى تسريبه من شروط إسرائيلية تدعمها أميركا، ما زال يدور عند نقطة أساسية يرفضها الحزب وهي تراجع قواته الى شمال نهر الليطاني، لأنه برأي الحزب مطلب تعجيزي يستبطن نيّة الكيان الإسرائيلي والإدارة الأميركية في إنهاء المقاومة ونزع سلاحها لاحقاً، لا سيما بعد الكلام العلني الأميركي بشكل خاص، والذي تبنّته بعض القوى السياسية اللبنانية، عن العودة الى تطبيق القرار 1559 القاضي بنزع «سلاح الميليشات» وهو يعني حصراً سلاح حزب الله في الجنوب، ما يعني الحكم سلفاً بفشل مثل هذا المسعى الأميركي.
وفي هذا السياق، يجدر التوقف عند ما قاله الرئيس نبيه بري في حديث صحافي أمس ومفاده: «إن الكلام عن القرار 1559 هو كلام سياسي، لأنّ القرار1701 ألغى الـ 1559. لذلك لا أحد يتحدّث بالـ1559. حتّى بلينكن في اتصاله معي تحدّث عن 1701».
وفي اعتقاد المصادر ان هذه التعقيدات الإسرائيلية أمام أي حل أو مخرج لوقف إطلاق النار، باتت غير مرتبطة بالانتخابات الأميركية الرئاسية المقررة في الخامس من شهر تشرين الثاني المقبل، لأسباب عدة أهمها: ان انتخاب أي رئيس أميركي لن يُسرّع في وقف الحرب طالما ما تزال أسبابها قائمة عسكريا وسياسياً، ولا يغيّر شيئاً في واقع الدعم الأميركي للكيان الإسرائيلي ولا في سياسة واشنطن الاستراتيجية ممّا يجري في المنطقة، وحتى لو تقرر حصول بعض التغييرات التكتيكية في السياسة الأميركية وفي توجهات الرئيس الجديد سواء دونالد ترامب أو كامالا هاريس، لأن رسم السياسات التنفيذية لما سيتقرر سيستغرق وقتاً يمتد الى موعد تسلّم الرئيس الجديد صلاحياته في كانون الثاني المقبل.