الهجمات الارهابية الاخيرة في باريس وسان برناردينو والتي ارتكبها ارهابيون معظمهم من مواليد البلدين، أثارت مرة أخرى اشكالية طبيعة الجاليات المسلمة وعلاقاتها بالدول التي تعيش فيها، ومدى – ورغبة – هذه الجاليات في التأقلم أو الاندماج في المجتمعات الغربية. رأى بعض المحللين الاميركيين ان الفرنسيين واجهوا في تشرين الثاني ما واجهه الاميركيون في هجمات أيلول الارهابية في 2001. ولكن كان هناك فارق أساسي بين الهجومين: ارهابيو 2001 جاؤوا من وراء البحار ولم يكونوا من صنع أميركي، اما ارهابيو باريس فانهم أطفال أوروبا الضائعون والمتحدرون من المهاجرين القادمين من المقاطعات التي كانت تابعة للامبراطورية الفرنسية الاستعمارية في افريقيا، وتحديداً من تونس والجزائر والمغرب.
هؤلاء مواطنون فرنسيون يعيشون في فرنسا ولكنهم ليسوا منها، يقيمون في مناطق واحياء خاصة بهم تسمى الضواحي Banlieues اما لانهم مضطرون لاسباب اقتصادية وثقافية واما لانهم يرفضون الانسجام أو الانصهار في مجتمعهم. نسبة البطالة في هذه المناطق هي ضعفا النسبة بين السكان عموماً، وهناك تمييز غير مكتوب في مجالات التوظيف والتعليم، الامر الذي ينعكس على مستويات الرواتب. عقب هجمات باريس وفي سياق النقاش حول من المسؤول عن دفع الشباب الى التطرف، أهي الظروف الصعبة في هذه المناطق التي بقيت على هامش المجتمع، ام “الوحي” الآتي من “الطبقة” في سوريا؟ قال مسؤول أمني فرنسي لمسؤولين امنيين اميركيين ان 10 في المئة من مسؤولية “الطبقة” والتسعين الأخرى من مسؤولية الضواحي. ومنظمو الهجمات كانوا يأملون في تأليب هذه المناطق للقيام بحركة تمرد ضد فرنسا.
مسلمو الولايات المتحدة متعددو الثقافة والخلفية، معظمهم ينتمون الى الطبقة الوسطى، واكثريتهم تقول إنها مرتاحة الى هويتها الاميركية. مسلمو أميركا منتشرون في جميع انحاء البلاد، ويعيشون مع المواطنين الآخرين في المدن والضواحي. وعلى رغم وجود بعض التجمعات للجالية العربية، مثل ديربورن في ولاية ميتشغن، فإن المسلمين في أميركا لا يعيشون قطعاً في “غيتوات مسلمة”. لكن هذا لا يعني انه لا مخاوف في أوساط هذه الجاليات. ولهذا تقول غالبية المسلمين في أميركا، وفقا لأحد استطلاعات الرأي، إن حياتها اصبحت أكثر صعوبة بعد هجمات أيلول 2001، كما تقول إن الحكومة تميل الى رصد تحركات المسلمين أكثر من غيرهم. في فرنسا تمنع الحكومة عرض الرموز الدينية علناًفي الاماكن الحكومية (لبس الحجاب، أو وضع الصلبان الكبيرة على الصدور) ومثل هذا المنع يتنافى مع الدستور الاميركي. الهجمات أثارت من جديد أيضاً مسألة رغبة أو قدرة المسلمين في الغرب على التوفيق بين معتقداتهم وجوهر الثقافات الاوروبية.