IMLebanon

سذاجة أميركية.. أو سياسة واضحة في سوريا

ليس الاتفاق الروسي – الاميركي في شأن «وقف الأعمال العدائية» في سوريا سوى دعوة الى متابعة الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري منذ قرّر قبل خمس سنوات استعادة بعض من كرامته.

عندما يسمح الاتفاق بالاستمرار في شن الهجمات على «داعش» و»النصرة»، متجاهلاً النظام الذي يذبح شعبه والميليشيات المذهبية اللبنانية والعراقية والأفغانية والخبراء الايرانيين، معنى ذلك بكل بساطة أنّ الإدارة الأميركية قرّرت السماح لروسيا وايران والميليشيات التابعة للنظام بمتابعة هجماتها على المواطنين السوريين. فمن يعرف ولو قليل القليل عن الوضع السوري، يعرف أوّلاً أنّ روسيا وإيران وقوّات النظام لم تهاجم «داعش» يوماً. على العكس من ذلك، هناك تواطؤ دائم بين «داعش» من جهة وكلّ من روسيا والنظام وإيران وما لديهما من ميليشيات من جهة اخرى.

مفهوم الموقف الروسي. هناك رغبة في المساومة على رأس بشّار الاسد، في نهاية المطاف، من اجل قبض ثمن معروف مرتبط أساساً بمنع مرور الغاز الخليجي في الاراضي السورية وتحقيق مآرب أخرى. مفهوم ايضاً الموقف الايراني الذي يعتبر سوريا في غاية الاهمّية بالنسبة الى المشروع التوسّعي الذي ينادي به كبار المسؤولين في ايران، على رأسهم «المرشد» علي خامنئي. 

بالنسبة الى ايران، لا خيار آخر سوى الدفاع عن النظام العلوي القائم في سوريا، كونه ضمانة لأن تكون سوريا جسراً الى لبنان والى «حزب الله» بالتحديد. الى اشعار آخر، يشكّل «حزب الله» الذي وضع يده على مفاصل الدولة اللبنانية الاستثمار الأهمّ لايران منذ العام 1982، تاريخ تأسيس الحزب الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني، عناصره لبنانية. تحوّل هذا الحزب الى افضل اداة ايرانية توظّف في خدمة مشروع يستهدف مناطق عربية عدّة من العراق، الى اليمن، مروراً بالبحرين واليمن، على سبيل المثال وليس الحصر.

ما ليس مفهوماً هو تلك السذاجة الاميركية التي قد لا تكون سذاجة بمقدار ما انّها سياسة واضحة تقوم على ترك المنطقة لروسيا وايران، غير مدركة انّه لا يمكن شطب العرب بتلك السهولة من المعادلة الاقليمية، اضافة الى انّه لا يمكن البحث في مستقبل سوريا من دون مقعد تركي الى طاولة المفاوضات. لا يمكن تجاهل العرب باي شكل عند البحث في المستقبل السوري، كما لا يمكن تجاوز تركيا والاكتفاء بالهائها بالورقة الكردية عن طريق تجييش قسم من الاكراد ضدّها.

ما الذي تريده الادارة الاميركية؟ لا وجود لجواب واضح الى اليوم باستثناء ان باراك اوباما يبدو مصرًّا على تفتيت سوريا. فالاتفاق الاميركي – الروسي الذي اعلن عنه اخيراً ليس سوى وسيلة لضمان استمرار الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري الى ما لا نهاية. لو لم يكن الامر كذلك، لما ميّزت واشنطن بين ارهابي وارهابي آخر ولما اختزلت اصلا كلّ ملفات الشرق الاوسط وازماته بالملفّ النووي الايراني، ولما تغاضت عن التدخل العسكري الروسي الذي لا هدف له سوى ابقاء نظام منته في الواجهة تمهيداً لليوم الذي يستخدم فيه بشّار الاسد ورقة في لعبة باتت تتجاوز حدود سوريا.

من الآن الى حين انتهاء ولاية باراك اوباما، بعد نحو عشرة اشهر، لا يمكن توقّع شيء من الجانب الاميركي باستثناء التظاهر بأنّ هناك تحرّكاً من اجل احتواء الازمة السورية بدل وضع حدّ لها.

مثل هذا التحرّك يصبّ في اتجاه واحد يتمثّل في الانتهاء من سوريا التي عرفناها عبر تحويلها مناطق نفوذ لثلاثة اطراف على الاقلّ هي روسيا وايران وتركيا. ليس بعيداً اليوم الذي ستجد فيه تركيا نفسها مضطرة الى التدخّل المباشر، او غير المباشر، لضمان منطقة نفوذ لها في الشمال السوري. لا تستطيع تركيا ترك الاكراد يتحرّكون في تلك المنطقة مستفيدين من التدخل العسكري الروسي. مثل هذا التحرّك الكردي يشكّل تهديداً مباشراً للأمن التركي. سيكون مستقبل رجب طيّب إردوغان وحزبه مطروحاً في حال بقي الوضع على ما هو عليه في الشمال السوري.

منذ تناسى باراك اوباما في آب/اغسطس من العام 2013 ان هناك خطاً احمر رسمه للنظام السوري وتغاضى عن لجوء النظام الى السلاح الكيميائي، حصلت نقطة تحوّل. قبل اوباما في الواقع تسليم سوريا الى روسيا وايران. استمع الى ما قال له فلاديمير بوتين وقبل الاكتفاء بأن يتخلى النظام عن الكمية الباقية من مخزونه الكيميائي.

كان لا بدّ من التذكير بهذه المرحلة للتأكّد من ان ما يجري حالياً هو في سياق سياسة اميركية تقوم على الاستسلام لروسيا وايران. من نتائج هذه السياسة النظر بعين واحدة الى ما يتعرّض له الشعب السوري. مثل هذه السياسة التي تقوم في جانب منها على التنسيق العسكري الروسي – الاسرائيلي تتجاهل كلّيًا الدواعش الشيعية وتركّز فقط على «داعش» السنّي وتوابع هذا التنظيم.

الشيء الوحيد الاكيد حتّى الآن ان ثمّة رغبة اميركية وروسية وايرانية في ايجاد حواضن لـ»داعش» في كلّ المناطق السورية وفي كلّ منطقة فيها اكثرية سنّية في العراق. هل هذا ما تريده اميركا في الشرق الاوسط؟ هل هذا ما يسعى اليه باراك اوباما الذي ليس معروفاً، الى اليوم، لماذا قرّر رؤية كلّ الالوان باستثناء اللون الاحمر الذي كان لون الخط الذي رسمه للنظام السوري؟

من حسن الحظ ان هناك في الجانب العربي من يعرف تماما ان ليس في الامكان الاتكال على الولايات المتحدة او الرهان عليها في اي شأن هذه الايّام وان لا ضير من ابقاء خط التواصل مع موسكو مفتوحاً. الدليل على ذلك الاتصال الاخير بين الملك سلمان بن عبدالعزيز وبوتين. فالكلام الروسي عن ان موازنة البلد ووضعه الاقتصادي لن يتأثرا بهبوط اسعار النفط والغاز كلام لا يمكن لاي عاقل ان يصدّقه.

لم يعد بعيداً اليوم الذي تقتنع فيه روسيا ان ليس أمامها سوى الدخول في مساومة مع الجانب العربي، اقلّه اذا كانت مهتمّة برفع اسعار النفط والغاز. ستكتشف روسيا ان الارهاب ليس «داعش» وحده. هناك دواعش اخرى في سوريا وغير سوريا. الارهاب ليس حكراً على اهل السنّة في المنطقة. هناك ارهاب مرتبط ببعض المجموعات الكردية، على حد تعبير اردوغان. وهناك ميليشيات شيعية تمارس كل انواع الارهاب في سوريا والعراق وفي اماكن اخرى.

متى يعالج الاتفاق الاميركي – الروسي هذا الواقع، ويتوقف عن النظر الى سوريا من زاوية واحدة، سيكون في الامكان عندئذ القول انّ وقف النار قابل للحياة. سيكون في الامكان القول ايضا ان هناك رغبة واضحة في معالجة الازمة السورية من كل الجوانب بدل الاكتفاء باستيعابها والتغاضي عن الحرب التي يعرّض لها الشعب السوري.