الصورة الباسمة المتفائلة التي حرص على تظهيرها الموفد الاميركي اموس هوكشتاين خلال زيارته لبيروت في اطار مهمته للتوصل الى وقف اطلاق النار وتنفيذ القرار ١٧٠١، لم تحجب الحذر والتشاؤم بسبب التجربة مع الموقف الاسرائيلي اولا وانحياز الادارة الاميركية لمطالب العدو ثانيا وان اختلفا خول الاسلوب .
وبعيدا عن التدقيق والتصحيح في بنود الورقة الاميركية المبنية اصلا على تفاهم مبدئي مع اسرائيل قبل مجيء هوكشتاين الى بيروت، فان المعضلة والمشكلة التي تمنع الحل تكاد تختصر بهذا الانحياز الاميركي لإسرائيل في كل عهود حكوماتها وفي كل حروبها على شعوب المنطقة بهدف القضاء على فكرة المقاومة وخطرها على الكيان الاسرائيلي الذي نشأ على اغتصاب فلسطين وتوسع ويتوسع الى اراض عربية باشكال متنوعة اخرى. وهذا النهج ينطبق على التعاطي الاميركي مع الحرب الاسرائيلية على لبنان وهدفها المرسوم قبل طوفان الاقصى وهو التخلص من خطر المقاومة على الحدود الشمالية، وفق تعبير العدو، بشكل نهائي ليس في الجنوب بل في لبنان، وبمعنى اخر تطويع كل لبنان للخضوع لارادة اسرائيل والتطبيع معها وفق شروطها ايضا .
جاء هوكشتاين الى بيروت بعد انجاز مسودة الحل بالشراكة مع اسرائيل، منطلقا من التناغم مع الهدف الاسرائيلي بكفوف ناعمة تحت عنوان اعتماد الية شفافة وعملية وفعالة لتنفيذ القرار ١٧٠١ بذريعة ان الالية التي اعتمدت في عام ٢٠٠٦ كانت فاشلة كليا .
ومن وجهة نظر الولايات المتحدة التي تتدعي انها تلعب دور الوسيط ان الفشل يتجسد بتنامي قوة وانتشار حزب الله العسكرية خلال كل هذه الفترة بشكل هائل والخطر الكبير الذي شكله ويشكله على اسرائيل.
تريد واشنطن ان تتعامل مع تنفيذ القرار الدولي بطريقة تختلف عن تعاملها معه على مدى ١٨ عاما، وتتشارك مع قيادة العدو المتطرفة في الرأي حول ما يسمى توسيع خطة الدفاع عن النفس لكنها في الوقت نفسه تتجنب الانجرار الى مغامرات نتنياهو وتهوره نحو توسيع رقعة الحرب وتأجيجها في المنطقة .
ورغم التناغم الاميركي الاسرائيلي، ترى الاوساط المراقبة ان هناك تباينا بينهما في طريقة واسلوب التعاطي مع المفاوضات للتوصل الى اتفاق وقف النار وتطبيق القرار ١٧٠١ .
وتريد الادارة الاميركية بنسختها الراحلة ولقادمة انجاز الاتفاق في فترة قصيرة وقبل تنصيب الرئيس ترامب، بينما يحاول نتنياهو ان يركز على تحقيق اكبر قدر من المكاسب والشروط على حساب لبنان ومضمون القرار الدولي .
وتضيف الاوساط ان النقطة الجوهرية التي سعى ويسعى لتحقيقها العدو هي ضمان الاقرار بحرية التحرك العسكري الاسرائيلي في حال حدوث خروقات من حزب الله، كما اوردت القناة ١٢، وقد ضغط لمحاولة فرض هذا المطلب وادراجه في اطار الاتفاق، ويؤيد الجانب الاميركي مطلبه لكنه يحبذ تامينه من خلال ضمانة اميركية خارج نص الاتفاق .
وفي كل الاحوال فان لبنان، الذي نجح في تجاوز عقدة لجنة الاشراف على الاتفاق، ثبت موقفه الرافض لاي نص او عبارة يستدل منها اعطاء الحق للعدو الاسرائيلي بحرية الحركة العسكرية ضد لبنان بحجة محاربة خروقات حزب الله .
ويقول مصدر سياسي ان المشكلة تكمن بعد التوصل لاتفاق وقف النار وتطبيق القرار ١٧٠١ في الاسئلة المطروحة حول اليوم الثاني بعد هذا الاتفاق، لافتا الى ان نتنياهو وشركائه في الحكومة يدركون انهم عجزوا عن تحقيق ابرز وعودهم وهو القضاء على حزب الله، وانهم يسعون الى اطلاق يدهم في الاعتداء على لبنان في اي وقت .
ويضيف ان هذا الامر يعني بشكل او باخر ان المرحلة المقبلة ستكون صعبة ولن تكون مرحلة استقرار دائم كما يظن البعض، وان مثل هذا الاستقرار النسبي وغير النهائي لا يتحقق من دون معالجة امور اساسية عديدة ابرزها: تثبيت حق لبنان بالنقاط الـ١٣ على خط الحدود، استعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، واحترام السيادة اللبنانية جوا وبرا وبحرا .
وباعتقاد المصدر ان الفترة ما بعد اتفاق وقف النار ستكون دقيقة ومليئة بالالغام بدءا من انسحاب القوات الاسرائيلية من المناطق التي دخلتها في الجنوب مرورا بانتشار الجيش جنوبا وتطبيق البند المتعلق بعدم السماح لتواجد مقاتلي او سلاح حزب الله جنوبي الليطاني وانتهاء بمفاوضات معقدة وحساسة تثبيت خط الحدود وفتح ملف مزارع شبعا .
واذا كان نتنياهو شعر بالنشوة بعد الضربات الامنية التي وجهها لحزب الله، فانه يشعر اليوم بنوع من الخيبة والصدمة بعد ان اكدت الوقائع في المعركة البرية ومن خلال قصف حزب الله يوميا بالصواريخ والمسيرات الجليل حتى عمق الكيان الاسرائيلي ان وعوده بالقضاء على الحزب تبخرت ولم تكن سوى بيع اوهام .
ويشير المصدر الى مانشرته نيويورك تايمز اول امس استنادا الى وكالة الاستخبارات الاميركية بان حزب الله ما زال يحتفظ بقوة صاروخية مهمة وانه يحتفظ باربعين الف مقاتل لم يزج بهم حتى الان في المعركة والقتال. ومن هنا ترى الوكالة “انه بناء على الواقع الميداني فان اتفاق وقف النار يظل افضل فرصة لعودة الاسرائيليين الى الشمال”.