ينقل مطّلعون على السياسة الأميركية تأكيدهم أنه على رغم الإهتمام الأميركي بالحرب الروسية – الأوكرانية والصراع الكبير مع الصين، إلا أنّ متابعة الإدارة الأميركية لقضايا الشرق الأوسط مستمرّة، فواشنطن هي العاصمة التي تحكم العالم، وكل قضية لديها من يهتم بها، وبالتالي فإن عدم إحتلال أي قضية الأولوية في مرحلة معينة لا يعني أنها منسية.
بلغت ذروة الإهتمام الأميركي بالملف اللبناني في بداية أيلول 2004 عندما أصدر مجلس الأمن القرار 1559، ومن ثمّ زاد منسوب الإهتمام بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تبعه من أحداث، حيث وقف الأميركي في ذلك الزمن داعماً حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بوجه محاولة «حزب الله» الإطاحة بها، ومن خلفه المحور السوري – الإيراني.
واليوم يعود الحديث عن الدور الاميركي بشكل كبير مع قرب استحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن لهذا الإستحقاق شقّاً خارجياً كبيراً، وتُعتبر واشنطن الناخب الأول في الرئاسة، وهي وإن كانت لا تستطيع الإتيان برئيس لوحدها، إلا أنها تمنع وصول أي رئيس للجمهورية غير راضية عنه.
وفي السياق، فإن المؤشرات تدل على أنّ الإهتمام الأميركي لا يقتصر على المناصب السياسية والإدارية والمالية في الدولة، بل إن واشنطن تعمل من ضمن استراتيجية واضحة هدفها الحفاظ على أمن لبنان وإستقراره.
وبرز في الأيام الماضية تدفّق بعض المساعدات الأميركية إلى الجيش اللبناني وهي كناية عن ذخائر وآليات نقل الجنود إضافةً إلى الهبة المالية التي طالبت قيادة الجيش بتحويلها لمساعدة عناصر الجيش، كل تلك الأمور لها دلالات واضحة وهي أن الفوضى ممنوعة في لبنان، ويترافق هذا الأمر مع رعاية أميركية للمفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول الحدود البحرية والتي تحرص واشنطن على نجاحها.
ولو كانت واشنطن تريد الفوضى لما عمدت إلى تقديم مساعدات دورية إلى الجيش اللبناني، ولذلك فإن أميركا أرادت توجيه رسالة واضحة من خلال هذه المساعدات بأن دعمها الجيش اللبناني مستمرّ، والأهم أن الفراغ والفوضى والأزمات ممنوعة في بلد الأرز.
وينعكس هذا الأمر إيجاباً على الإستحقاقات المقبلة وعلى رأسها إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتدل المعلومات على أن واشنطن لا تريد الفراغ الرئاسي وهي مع إعادة إنتظام عمل المؤسسات وتضغط في هذا الإتجاه، لذلك سيكون لها كلمة حاسمة في الأسابيع المقبلة من الإستحقاق الرئاسي قبل الوصول إلى الفراغ.
وترفض واشنطن إنتخاب رئيس يغطي سياسات «حزب الله» مثل الرئيس الحالي ميشال عون، لذلك فإن حظوظ مرشحي «الحزب» للرئاسة تتدنّى بشكل كبير، فالبلد لا يحتمل رئيساً يشبه عون لست سنوات جديدة.
تُحاذر واشنطن حالياً الدخول بالأسماء المرشحة للرئاسة، لكنها تطرح مواصفات معينة باتت معروفة لدى الجميع، لذلك فإن محاولة «حزب الله» الإستفراد بالقرار الرئاسي لن توصل إلى مكان. ويراهن من يتابع السياسة اللبنانية والشرق – أوسطية على توقيع الإتفاق النووي الإيراني والنجاح بمفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل لأن ذلك يبرّد الأجواء.
لن تقف واشنطن متفرجة لحظة حلول موعد الإستحقاق الرئاسي، وستضغط من أجل الوصول إلى رئيس لا يكون صورة مكررة عن عون، لذلك فإن من يريد معرفة بورصة الرئاسة عليه مراقبة التحرك الاميركي.