يرى سفير سابق للبنان أن التصريحات المتبادلة بين أميركا وإيران قبل توقيع الاتفاق النووي شيء وبعد توقيعه شيء آخر. فأميركا معروفة بممارسة السياسة البراغماتية التي لا أصدقاء دائمين فيها ولا أعداء دائمين إنما مصالح دائمة، ما بجعل هؤلاء لا يتفاجأون بمواقفها التي تمليها عليها هذه المصالح، خصوصاً أن لها سوابق كثيرة في هذا المجال، سواء في الماضي القريب أو البعيد. لقد باعت أميركا في الماضي حلفاءها الأكراد في العراق لحكم صدام حسين، ثم باعتهم للحكم في إيران، وباعت حكم الرئيس كميل شمعون في آخر ولايته عندما كانت في صراع مع بريطانيا على النفوذ في المنطقة وعلى أثر سقوط “حلف بغداد”، للرئيس جمال عبد الناصر خصمها السياسي اللدود وحليف الاتحاد السوفياتي آنذاك، واتفقت معه على انتخاب اللواء فؤاد شهاب خصم شمعون السياسي رئيساً للجمهورية. وباعت أميركا لبنان لسوريا بعد حرب مدمرة دامت 15 سنة ووضعته تحت الوصاية السورية مدة 30 عاماً خلافاً لما نص عليه اتفاق الطائف، وكان كلما طالب مسؤول لبناني أميركا بأن تساعد على انسحاب القوات السورية من لبنان يأتي الجواب أن هذا الانسحاب قد يؤثّر على حكم الرئيس حافظ الأسد ويقوّي شوكة “الأخوان المسلمين”…
وعندما استمرت الحرب سجالاً في لبنان بين ما كان يسمى “المنطقة الشرقية” و”المنطقة الغربية”، كانت سوريا حافظ الأسد جاهزة للاتفاق مع أميركا على صفقة الحل في لبنان، والتي تقضي بوقف الاقتتال فيه بتدخل عسكري سوري واخراج المسلحين الفلسطينيين وعلى رأسهم ياسر عرفات من لبنان الى تونس لجعل هذه الصفقة مقبولة من اسرائيل، وجعل زعماء مسيحيين يقبلون بذلك أيضاً بعدما وضعتهم بين خيارين: إما مواجهة هزيمة عسكرية أمام الفصائل الفلسطينية وحلفائها من اللبنانيين، وإما القبول بدخول الجيش السوري الى لبنان لتدارك هذه الهزيمة. فلا شيء يمنع أميركا إذاً من أن تكرّر الأمر نفسه في سوريا بعد حرب دخلت عامها الخامس، ولا خصوم النظام انتصروا عليه، ولا النظام انتصر على خصومه، بحيث بات على السوريين أن يواجهوا أحد خيارين: إما استمرار حرب الدمار والتشريد وخطر المجاعة بالحصار، وإما القبول بحل سياسي يرضى به الموالون والمعارضون كي يتمثّلوا في حكومة “وحدة وطنية” لتكون قادرة على التصدي لتنظيم “داعش” والارهاب على اختلاف أشكاله وهوياته.
والسؤال المطروح هو: هل تطلب أميركا، بالاتفاق مع روسيا وبالتفاهم مع السعودية، من إيران المساعدة على بلوغ هذا الحل لأنها تمتلك القدرة على ذلك وتستطيع أن تأتي بحكم بديل من حكم الرئيس بشار الأسد الذي لا يعود أمامه خيار سوى التخلي عن السلطة عندما ترفع إيران وروسيا الغطاء عنه، وأن تحل مشكلة سلاح “حزب الله” إذ لا تعود له وظيفة؟ فاذا تم التوصل الى ذلك، فان إيران تصبح هي الوصية غير المباشرة على سوريا كما أصبحت سوريا وصية على لبنان، ويصير عندئذ في الامكان التعاون مع التحالف الدولي لضرب الارهاب في المنطقة قبل ان يصبح داخل دول الغرب، أو ان يقوم تحالف عربي واسلامي يساند التحالف الدولي في ضربه والقضاء عليه بسرعة كي تنعم دول المنطقة بالأمن والاستقرار ويتحقق السلام الشامل مع اسرائيل. هذا اذا تم التوصل الى توقيع اتفاق حول الملف النووي مع إيران وحظي هذا الاتفاق بموافقة مجلس الأمن الدولي كضامن لالتزام تنفيذه.
أما اذا لم يتم التوصل الى توقيع هذا الاتفاق لسبب من الأسباب، وإن كان هذا مستبعداً، فان أحداً لا يعرف ماذا ستكون عليه صورة الوضع في المنطقة، وهل يصبح التقسيم هو الحل والنظام الفيديرالي هو الذي يبقي على التعايش بين مكوّنات كل دولة، ويكون هذا النظام هو العلاج للخروج من حروب الأديان والعرقيات. وهو ما ترتاح اليه اسرائيل لا بل تعمل له منذ قيامها لتبقى هي الأقوى في المنطقة والمطمئنة الى وجودها. فلا بد إذاً من انتظار نتائج المفاوضات حول الملف النووي الايراني لرسم خريطة طريق للمنطقة، أو انتظار فشل هذه المفاوضات، وإن كان مستبعداً، لتكون للمنطقة خريطة طريق أخرى.
ومن الآن الى أن تنتهي فترة الانتظار، وهي قصيرة، تبقى المواقف متقلبة والتصريحات متضاربة لأنها من “عدة الشغل” خلال المفاوضات.