IMLebanon

مشروع أميركي خطير يضع المنطقة على فوّهة الحرب

 

 

من الصعب التنبؤ بنتائج الحرب في قطاع غزة منذ الآن، لأهمية الصراع وأبعاده الإستراتيجية وتعدد اللاعبين واشتباك حساباتهم ومصالحهم الإقليمية والدولية. فأرض فلسطين تحوي كل عوامل الصراع الديني والفلسفي والإيديولوجي والتاريخي والعسكري والسياسي والاقتصادي، لكن ما يُمكن الجزم به هو أن الصراع بين المحورين الأميركي – الإسرائيلي، وبين الإيراني – السوري، بلغ نقطة الإلتحام المركزية في فلسطين بعدما كان الصراع يدور رحاه على ساحات المنطقة.

وانطلاقاً من هذا البُعد الإستراتيجي للصراع، يمكن الإستنتاج بأن الأساطيل البحرية الأميركية – البريطانية الأوروبية التي أبحَرت على عجل الى البحر المتوسط بعد 7 تشرين الأول، تتجاوز بأهدافها القضاء على حركة حماس عسكرياً، إلى المشروع الجيوسياسي لفلسطين المخفي في «جوارير» الإدارة الأميركية والمُعد سابقاً في وثائق «صفقة القرن»، لكن تعثّر تنفيذه لأسباب عدة، وجاءت 7 تشرين لتعيد وضع المشروع على الطاولة وتنفيذه بقوة الآلة العسكرية الإسرائيلية المدعومة أميركياً وغربياً وتواطؤ الأنظمة العربية لإنهاء القضية الفلسطينية وفتح مسار التطبيع الذي سارت بركبه السعودية مع وقف التنفيذ. فالحرب على غزة تحمل مخاض القضاء على حماس لتصفية القضية وإن أدت إلى حرب طويلة لفرض الصيغة الأميركية – الإسرائيلية «الترانسفير» أو بالحد الأدنى جعل غزة منطقة غير قابلة للحياة تمهيداً لإنهاء حماس ووضعها تحت وصاية السلطة الفلسطينية في رام الله.

 

فهل يشق المشروع الأميركي طريقه بسلاسة؟

 

* بالنسبة لـ«إسرائيل» لم تستفِد الحكومة الإسرائيلية من الوقت الممنوح إسرائيلياً وأميركياً وغربياً وعربياً لتحقيق مكاسب ميدانية بعد ضربة 7 تشرين، وتلهّت بالخلاف الداخلي حول تأليف «حكومة الحرب» أولاً وعلى خيار الحرب البرية ثانياً… ولذلك تحاول تسريع وتيرة العملية العسكرية البرية لتسجيل إنجازات ميدانية ووقائع عسكرية تُحسِن شروط التفاوض الذي يسير على نارٍ حامية في قطر.

 

«إسرائيل» في لعبة مرّة مع الوقت وأمام مأزق وجودي… هي ليست معركة حدود بل حرب وجود… ولا يمكنها التراجع، لأن ذلك كفيل بالسقوط النهائي للكيان… وفي الوقت نفسه لا يمكنها الإستمرار بالقصف التدميري ولا التوغل أكثر في البرّ، فلا تحتمل ضربة ثانية على الرأس قد تكون قاضية بعد ضربة 7 تشرين.

 

لكن ما بين هذا وذاك، هناك حسابات خاصة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ستُعقد المشهد أكثر، فهو المسؤول الأول أمام الرأي العام الإسرائيلي وإن حاول التبرؤ من «دم تشرين» وتحميل الأجهزة الأمنية المسؤولية ليعود ويعتذر لاحقاً، نتنياهو بحالة ضياع وكابوس، يلعب لعبة المصير لإنقاذ نفسه من السقوط سياسياً ومن سيف القضاء الذي ينتظره بعد نهاية الحرب… وهو مستعد أن يُشِعل المنطقة ليُشعل «سيجاره السياسي»، وقد يهرب إلى الأمام بحماقة الحرب على الجانب الأقوى من حماس أي «حزب الله» مستفيداً من فرصة الدعم الدولي الذهبية لينقل الحرب إلى لبنان ويورّط الولايات المتحدة فيها.

وما يُعقِد الصورة السوداوية أكثر ويمنحها البعد الدولي، فأي تراجع أو هزيمة للجيش الإسرائيلي ستُقرأ بميزان القوى الإقليمي وبالمعادلات الاستراتيجية في المنطقة في الصراع بين المحورين. وبالتالي، تسجّل نقطة لصالح محور المقاومة ويترتب عليها نتائج على مستوى المنطقة، وبطبيعة الحال تؤثر على توازن القوى على الساحة الدولية.

 

فواشنطن تعرف أن موسكو وبكين تراقبان من بعيد وعن كثب المشهد الفلسطيني وتطورات حرب غزة واحتمالات توسّعها الى المنطقة، ويتحيّنان الفرصة للوثوب خطوات اضافية كلّ من موقعه لتسجيل اختراقات جديدة في النظام الدولي الأُحادي لصالح نظام متعدد الأقطاب ومراكز القوى والنفوذ… فهل ستبقى الموازين الحاكمة للحرب الأوكرانية – الروسية هي نفسها؟… وهل ستبقى الصين عند حدودها المرسومة عسكرياً في تايوان؟ ومَن يضمن توسع النفوذ الإيراني أكثر في المنطقة؟.

 

بالنسبة لحماس كما الشعب الفلسطيني لا شيء يخسراه، سيقاتلان حتى الموت، ولكي تنتصر «إسرائيل» عليها أن تُقاتل الحمساويين تحت الأنفاق، وهذا مستحيل لجيش تقليدي وبروح معنوية متكسرة.

 

لا شك أن الأسطول العسكري الأميركي في البحر المتوسط رسالة الى المحور الإيراني الذي سيُقيم حسابات كثيرة قبل إعلان الحرب المفتوحة على «إسرائيل»، وإن كان يرفع مستوى عملياته في الجنوب وضد القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة. فالولايات المتحدة لن تقف مكتوفة اليدين إزاء الحرب على «إسرائيل»، لكنها لن تقاتل بجنودها… ومحور المقاومة في المقابل لن يسمح بالقضاء على حماس مهما كان الثمن.

 

لا مصلحة للمحورّين بالحرب الموسّعة لأسباب متعددة لا مجال للدخول فيها، لكن الى ذلك الحين ستكمل «إسرائيل» حربها التدميرية ومناورتها البرية الإستعراضية لملء الوقت وربما تنجح المفاوضات بفرض هدنة وتبادل الأسرى، لكن الحرب لن تتوقف وستمتد لأشهر وربما سنة إلى أن يُنهي أحد الآخر أو يُخلق توازن قوى دولي يفرض حل الدولتين بعد إزاحة نتنياهو وتأليف حكومة إسرائيلية جديدة.

 

الكرة في الملعب الأميركي وضرورات التحرك الأميركي لخدمة العلاقة الإستراتيجية مع «إسرائيل»، ومعها حساباته الانتخابية، فهل تخدمه الحرب الاقليمية أم استكمال مسار التفاوض النووي مع طهران؟.