كلّما دافع فلاديمير بوتين عن نظيره الأميركي دونالد ترامب زادت متاعب هذا الأخير ولم تنقص. وتأكّدت أكثر “الأدلّة الظرفية” الدّالة على تدخّل الرئيس الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
والتكتيك الذي يعتمده بوتين يشبه لعب الهواة: يُشيد بترامب لكنه يهاجم قرارات إدارته!.. وفي شأن معظم القضايا الدولية الراهنة. من اتهامها بـ”التغاضي” عن تحرّكات بقايا “داعش” في سوريا والعراق، إلى “موضوع” إيران المزدوج، الخاص بـ”الاتفاق النووي” والخاص بأدوارها خارج حدودها، إلى انسحابها من المعاهدات والمواثيق الدولية.. وصولاً إلى تمسّكها بالعقوبات المفروضة على روسيا بسبب تدخّلها في اوكرانيا وضمّها شبه جزيرة القرم.
والملفت (على الهامش) أن الزعيم الروسي “لم يلحظ” أي مثلبة للإدارة الأميركية في علاقاتها مع إسرائيل.. في قضية الاعتراف بالقدس عاصمة لها، أو في شأن موقفها من الأداء العام لحكومة بنيامين نتنياهو ودأبها في تكسير احتمالات عودة المفاوضات، أو إمعانها في زرع المستوطنات على الأراضي المسروقة من أصحابها الفلسطينيين.
في هذا المقام، لا يميّز بوتين بين ترامب وإدارته! بل يتعمّد الصمت التام! وكأن موضوع إسرائيل بالنسبة إليه، هو من المسلّمات أو البديهيات التي لا تُناقش على أسس سلبية.. عدا أنها ليست في كل الأحوال، موضع خلاف في وجهات النظر بين موسكو وواشنطن، أو عنواناً من عناوين “الدخول” على الشأن الأميركي مراراً وتكراراً.
والملفت أيضاً أن بوتين يتجاهل حقيقة أن أداءه المزدوج يزيد من متاعب ترامب، ويرفد مناوئيه بمدد إضافي لتسعير مناوئتهم تلك، وإصرارهم على الدفع باتجاه تثبيت الاتهامات الموجّهة إليه بأنه أشرف على “التنسيق” مع الروس لضرب حملة المرشّحة الديموقراطية هيلاري كلينتون وعرقلة طريقها إلى الرئاسة.
ومن غرائب ذلك التكتيك، أن يلعب بوتين دور المرشد الناصح “الحريص” على الولايات المتحدة عموماً! وعلى “احترام” إرادة ناخبيها خصوصاً! وأن يعبّر عن “دهشته” من اختلاق معارضي ترامب “الاتهامات المنسوبة إلى روسيا بالتدخّل في الانتخابات الأميركية… لأنهم يضرّون ببلادهم من الداخل ولا يحترمون مواطنيهم الذين اختاروا ترامب” كأنه لا ينتبه إلى كون “الموضوع” الذي يطرقه يتعلق بالولايات المتحدة وليس بسوريا! وأن التصريحات واللغويات والمصطلحات التي يعتمدها لا تجد مَن يبلعها أو يهضمها أو يأخذها على محمل الجدّ، في أي بنيان عام في الولايات المتحدة. أكان على مستوى “المؤسسة” الدستورية بكل عناوينها وإداراتها، أو على مستوى هيئات “المجتمع المدني” وفي قمّتها الإعلام بكل أنواعه وأصنافه. أو على مستوى القانون الذي يخضع الجميع لأحكامه ومقتضياته، خصوصاً هؤلاء الذين “يعملون” في القطاع العام وأولهم ساكن “البيت الأبيض” وكل مَن يمتّ إليه بصلة وظيفية أو شخصية.
.. بل تُؤخذ أقواله تلك، من زاوية وحيدة هي تأكيد الريبة وليس تبديدها. وزيادة “الشكوك” في الاتهامات الموجّهة إلى صاحبها وليس إنقاصها.. خصوصاً وأن الداعي إلى “احترام” إرادة الناخبين الأميركيين لا يحتمل أي معارضة له، لا داخل بلاده ولا خارجها. ولا يسمح لأي شخص أو مؤسسة أو منظمة أو هيئة مدنية بالخروج عن الصف المرصوص! أو عن المناخ العام للسلطة المطلقة.. برغم حقيقة شعبيته الكاسحة بين الروس!