الأجواء التي طغت في الفترة الأخيرة وأشاعت مناخاً حربياً ضدّ لبنان وضَعه في دائرة الاستهداف بعقوبات أميركية سياسية ومالية على بعض الأطراف اللبنانيين، وفي دائرة الاستهداف بعدوان إسرائيلي مدمِّر، وفي دائرة الاستهداف بعدوان إرهابي، ووصَل الأمر ببعض اللبنانيين الذين يقدّمون أنفسَهم على أنّهم جزء من الحلقة الضيّقة المحيطة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى حدّ رسمِ سيناريو أسود، كشفَ بعض تفاصيله على إحدى المحطات اللبنانية، وفيه أنّ الإدارة الأميركية على يقين أنّ لبنان سيتعرّض لزحفٍ إرهابي في اتّجاهه من قبَل «داعش» و»جبهة النصرة»، وهذا من شأنه أن يَخلط الأوراق فيه مجدّداً.
هذا المناخ أقلق المستويات اللبنانية على اختلافها، فكان لا بدّ من لقاءات وزيارات واستفسارات في عواصم القرار.
الأوروبيون وكما ينقل زوّارهم يشكون هم بدورهم وأكثر من غيرهم من الحرب الإرهابية التي تُشَنّ على دولهم وبالتالي أولويتهم هنا، وينظرون إلى لبنان كهدف دائم للإرهاب، وكذلك كنقطة قلق لإسرائيل من وجود صواريخ «حزب الله»، بما يُبقي الأمرَ مفتوحاً على الاحتمالات كلّها، ومِن ضمنها الاحتمال الحربي.
إلّا أنّ الجواب الاكثر وضوحاً تمّ الاستحصال عليه في لقاءات بعض الشخصيات اللبنانية مع مسؤولين اميركيين وسياسيين آخرين وضبّاط كبار في الجيش الاميركي وفي وزارة الدفاع الأميركية.
خلاصة ما سمعَه هؤلاء في واشنطن أنّ لبنان كان في الفترة الأخيرة هدفاً للتهويل بالشراكة ما بين قوى دولية وعربية وبين بعض اللبنانيين في الولايات المتحدة الاميركية الذين تولّوا ضخَّ أخبار تهويلية بأنّ لبنان قاب قوسين او أدنى من اشتعال النار فيه سواء من الجبهة الارهابية او الجبهة الاسرائيلية.
حتى إنّ ما قيل عن عقوبات حضّرها الكونغرس الاميركي لفرضها على شخصيات وأحزاب لبنانية تبيّن لزوّار لبنانيين في واشنطن وخصوصاً للوفد النيابي اللبناني الذي زار الولايات المتحدة قبل ايام عدم وجود شيء من هذا القبيل، وللدقّة أكثر هناك فكرة في هذا السياق طرَحها أحد اعضاءِ لجان الكونغرس، إلّا أنّها لم تتبلور بعد وبالتالي ليست موضع بحث، وما فاجأ الاميركيين قبل اللبنانيين هو أنّ من يحملون الجنسية اللبنانية هم من ظهّروها على غير حقيقتها وألقوها كعنصر تهويل في اتجاه لبنان.
والأهمّ في الأجوبة الاميركية هو تأكيد الحِرص الاميركي على استقرار لبنان، وأنّ هذا الاستقرار هو حاليّاً في عين الرعاية الاميركية. واستكمالاً لهذه الصورة فإنّ مسؤولاً لبنانياً لمسَ في واشنطن ما يوحي باستغراب الأميركيين من كثرةِ الكلام عن حرب إسرائيلية على لبنان، وسمع المسؤول اللبناني صراحةً من أحد كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الاميركية ما مفاده:
• إنّ الولايات المتحدة مرتاحة لجوّ الاستقرار والهدوء الذي يعيشه لبنان، وهي حريصة على الحفاظ عليه وعدم تعريضه لأيّ خطر، لأنّ هذا الاستقرار هو مصلحة للولايات المتحدة ومصلحة للبنان ومصلحة لإسرائيل.
(يُستنتج من الكلام الاميركي هذا أن لا مصلحة لإسرائيل بعدم الاستقرار في لبنان، وبالتالي لا مصلحة لها بالحرب، فلماذا يُهوّل بالحرب طالما لا وجود لهذه الحرب؟).
• إنّ الولايات المتحدة تنظر بارتياح وإعجاب لأداء الجيش اللبناني ودوره في الحرب التي يقوم بها على الارهاب، وهي على استعداد دائم لتوفير الدعم اللازم له في هذا المجال، ولأجل ضمان الاستقرار الذي يعيشه لبنان، وأهمّ ما قاله الاميركيون الى جانب إشادتهم بدور الجيش وتضحياته في مكافحة الارهاب هو تقديرهم لدور «قوى لبنانية» في محاربة الارهاب، سواء في سوريا او في لبنان، والتعاون بينها وبين الجيش.
أمّا عن القول إنّ جحافل الارهابيين ستتوجّه نحو لبنان، فهذا أمر يَبعث على التوقف عنده والغوص في ما يستبطنه، إذ إنّ هذا الكلام قد يكون مرتبطاً بالتحضيرات الإرهابية الاخيرة تجاه لبنان، حيث تؤكّد مصادر موثوقة أنّها تملك معطيات تؤكد أنّ تنظيم «داعش» الارهابي يُحضّر لعدوان يستهدف فيه مواقع الجيش اللبناني على الحدود مستخدماً أسلوباً انتحارياً كبيراً، وهو الامر الذي فرض رفع الجهوزية العسكرية الى اقصاها تحسّباً لأيّ عمل ارهابي سواء على الحدود او في الداخل، إضافةً الى رفعِ الجهوزية لعناصر «حزب الله» في الجرود.
إلّا أنّ مصادر أخرى تلفت الانتباه الى أنّ «داعش» وسائر المجموعات الارهابية لم تُخرج لبنان من دائرة استهدافاتها، لكنّ الوضع الآن بات مختلفاً جذرياً عن السابق. ففي الداخل اللبناني لا بيئة سياسية تحضنهم، وخلاياهم النائمة او الكامنة لا تملك حرية الحركة والمبادرة، والأجهزة الامنية والعسكرية تضغط عليهم بأقصى ما أوتيَت.
ومن جهة ثانية الجيش تَسلّم الحدود الشرقية وبالتالي كلّ أوصالهم البرية مع لبنان صارت مقطوعة ولا معابر لهم. إضافةً الى أنّهم في مرحلة تراجُع وهزائم في العراق وسوريا، وكذلك هم في حرب داخلية قاسية في ما بينهم، وهناك عشرات القتلى في صفوفهم.
وأمّا الاشارة مجدداً الى عرسال كمنطلق لهم في اتجاه الداخل اللبناني، فإنّ هذه الحاضنة العرسالية لم تعد كما كانت في السابق، بل أصبحت في حالة تملمُل وضغط كبيرين، ولم تعُد قادرة على تحمّلِهم ولا على القبول بالواقع الذي يفرضونه، بل هي تنتظر اللحظة التي ترفع فيها هذا الكابوس عنها.
كلّ هذه الوقائع تبعث على الارتياح إلّا أنّها لا تعني النوم على حرير والاسترخاء، بل إنّ العدوّ التكفيري غدّار ويوجب علينا أن يبقى الحذر قائماً، على ما يقول مسؤول أمني كبير.