Site icon IMLebanon

إستياءٌ أميركي من لبنان: كَذِبتم علينا كثيراً!

 

أبعد من التساؤل لماذا غاب لبنان عن جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أو ما الهدف من زيارة هيل لبيروت، يجدر التأكيد أولاً أنّ أيّاً من أركان السلطة في لبنان لا يستطيع ادّعاءَ البراءة في مسألة التحذيرات الأميركية للبنان من مغبّة استمراره في «التشاطر» على العقوبات الأميركية ضد «حزب الله»، وما يمكن أن تقود إليه من مخاطر قاتلة. كلّهم تبلّغوا لفترات طويلة تحذيرات واضحة. «كُلُّهم يعني كُلُّهم»!

 

تزامَن وصول دونالد ترمب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة (20 كانون الثاني 2017) مع بدء العماد ميشال عون ولايته الرئاسية وتشكيل الحكومة الحريرية.

 

ولم تكن قد مضت 5 أشهر على الإدارة الأميركية الجديدة حتى أبلغت الى الحكومة اللبنانية، بكل مؤسساتها وأجهزتها، وفي شكل واضح، أنّ نهج الرئيس باراك أوباما في الشرق الأوسط، وخصوصاً في ما يتعلق بإيران والقوى الموالية لها، كـ»حزب الله» و»حماس»، قد انتهى، وأنّ العدّ التنازلي لـ»تصحيح الخلل» ومحو الآثار السلبية قد بدأ، وأنّ على الحكومة اللبنانية أن تأخذ العلم بذلك وتحدّد خياراتها.

 

وفي المعلومات أيضاً، أنّ النظامَ المصرفي اللبناني تبلّغ قبل عام على الأقل أن لدى وزارة الخزانة تحديداً، والإدارة الأميركية عموماً، شكاوى من عمليات التفافٍ وتحايلٍ على قانون العقوبات الأميركية على «حزب الله»، يقوم بها بعض المصارف اللبنانية، بموافقة مصرف لبنان المركزي، على رغم وضوح هذه العمليات.

 

وقيل للبنانيين يومذاك: «نحن نريد مساعدتكم للحفاظ على متانة قطاعكم المصرفي، ولكن، أوقفوا التشاطر على الطريقة اللبنانية لأنكم أنتم الخاسرون منه في النهاية. وعليكم أن تساعدونا وتساعدوا أنفسكم أولاً، ولا تضطرونا إلى «تأديب» هذا القطاع بأسلوب الصدمة. فنحن قد لا نستخدم أسلوبَ الضغط التدريجي الطويل الأمد بل الضربة السريعة الساحقة الماحقة. (تمّ استخدام تشبيه «القنبلة النووية» مالياً).

 

ما يشكو منه الأميركيون حتى اليوم هو أنّ الوفود اللبنانية المتعددة التي زارت واشنطن طوال العام الفائت، في محاولة لتدارك الأسوأ، كانت تتبلّغ التحذيرات الأميركية إياها، لكنها تعود إلى لبنان وتمضي في اعتماد سياسة المناورة، وتراهن على تأجيل المواجهة مع الحقيقة، لاعتقادها أنّ المراوغة ستنقذها وأنّ الوقت سيحلّ المشكلات.

 

وقد أثار ذلك دائماً انطباعاتٍ لدى كثيرين في واشنطن، بأنّ عدداً من المعنيين بالملف وأركان الطبقة اللبنانية الحاكمة غير كفوئين، فيما الآخرون يمارسون الكذب في استمرار. وثمّة مَن «يتمتع» بالصفتين في آن معاً. ولذلك، كان طبيعياً أن يجد اللبنانيون أنفسَهم وجهاً لوجه مع الضربة المحتملة، والتي ربما تكون ملامحُها الأولى في الدعاوى التي قدمها متضرّرون في الولايات المتحدة بحق مؤسسات مصرفية لبنانية.

 

والدعوى الأكبر، الأولى (610 صفحات) والتي قبلتها المحكمة في 1-1- 2019)، تشمل نحو 1000 شخص، ومحورها أنّ 11 مصرفاً لبنانياً ساهمت في نقل أموال ملوّثة بالإرهاب («حزب الله») وتبييض الأموال والتجارات الممنوعة عن سابق تصوّر وتصميم، وأدخلتها إلى النظام المصرفي الأميركي. وقد أبلغ المدّعون كل مصارف المراسلة في نيويورك بالدعوى.

 

المتابعون للملف، في واشنطن، يتوقعون أن تتجه القضية نحو واحدٍ من سيناريوهين أو نحو هذين السيناريوهين في آن معاً:

– الأول، أن تعلن مصارف المراسلة بعد فترة معينة (ربما أقل من شهر) أنّ لبنان بلد خَطِر وأنها ستوقف تعاملها مع السوق اللبنانية.

– الثاني، سيعيّن القاضي أوّل جلسة في القضية المرفوعة، وقد يتم تحديد التاريخ بعد 6 أشهر مثلاً. لكنّ محامي المدَّعين قد يطالبونه بتجميد الأرصدة بحجة عدم إتاحة المجال لهروبها من الولايات المتحدة خلال الفترة الفاصلة. وقد يستجيب القاضي هذا الطلب.

 

ويقول المتابعون: «إذا تمّ اعتماد السيناريو الأول فسيكون الوضع مؤلماً للمصارف اللبنانية لأنّ أيَّ تحويل بالدولار من خارج لبنان إليه، ولو كانت قيمته ضئيلة، سيصبح متعذّراً. وأما اعتماد السيناريو الثاني فيشكل إعاقةً حقيقيةً للقطاع المصرفي اللبناني. واعتماد السيناريوهَين معاً يعني الكارثة.

وفي الأثناء، ثمّة كلام يتردّد عن أنّ تحويلة مالية من أحد المواطنين اللبنانيين العاملين في الخليج العربي قد ارتُجعت لأنّ البنك المراسل في نيويورك رفض تحويلها إلى مصرف معيّن في بيروت، بناءً على الدعوى التي قبِلت بها المحكمة هناك.

 

ولكن، في الموازاة، يسأل البعض: إذا نفّذت الولايات المتحدة سياسة العقاب الجماعي ضد لبنان، وأصابته بانهيار خطر، فما الذي ستحققه من فوائد لها أو للبنان؟ وإلى أيِّ حدّ ستتضرّر إيران- وهي المستهدَف بالعقوبات- من هذه الإجراءات القاسية؟

 

في اعتقاد هؤلاء أنّ إيران ربما تتدخل لمساعدة النظام المصرفي اللبناني على الصمود والاستمرار، وقد تسارع إلى استغلال عملية العزل التي تعرّض لها لبنان فتضمّه كلياً إلى محورها. وفي هذه الحال، ماذا ستستفيد واشنطن، وإلى أيِّ حدّ سيقع لبنان كله ضحية لفئة لبنانية محدّدة؟

 

الأشد سوءاً هو اعتقاد البعض أنّ خياراً من هذا النوع قد لا يكون مربكاً للأميركيين. فأيُّ اختناق يتعرض له النظام المصرفي اللبناني لن يؤثّر إطلاقاً على حركة المال والاقتصاد في الولايات المتحدة. وعلى العكس، قد يجد الأميركيون أنّ انخراط لبنان الكامل تحت جناح إيران، وفي شكل واضح، مبرِّرٌ لاستهدافه بلا تردّد، كما سائر منظومة إيران.

 

المهم في الأمر هو: لماذا اليوم؟ فلم يكن سرّاً أنّ مصارفَ لبنان تتعايش مع «حزب الله» وأمواله.

بعض الخبراء في الولايات المتحدة يعتقدون أنّ القرار بدحرجة نفوذ إيران في الشرق الأوسط قد اتُخِذ، وأنّ من الصعب تصوُّر ذلك من دون وقوع حرب، وأنّ من الأنسب إنهاك الخصم وإضعافه قبل شنّ الحرب عليه!

 

وفي الانتظار، هناك فرصة للبنان لكي ينأى بنفسه عن النار ويصون استقراره السياسي والمالي والمصرفي الذي بات هشّاً إلى حدّ الحاجة إلى استدعاء أركان المال والاقتصاد في شكل طارئ، يوم الأحد الفائت، وتحضير بيان مكتوب مقتضب، لإنهاء الملابسات الهائلة التي نتجت من تصريح.

 

والفرصة، وفق الخبراء، هي في تسليم «المفاتيح» المالية والاقتصادية والإدارية الحسّاسة، في الوزارات والمؤسسات والمرافق كلها، إلى فريق عملٍ مشهود له بالكفاية والشجاعة والنظافة، تحت إشراف صندوق النقد الدولي، لإظهار الصدقية أمام العالم، على أن تواكبَه القوانين التي ترعى الشفافية وتزرع الثقة لدى الجهات الداعمة.

 

وعندئذ، يمكن المراهنة على ثقة الأميركيين والعالم، وعلى تدفُّق سليم لأموال المؤتمرات، من «سيدر» إلى سواه. فأيُّ نموذج سيختار لبنان قبل دخوله في اللحظات القاتلة: الإنقاذ أم الخراب؟

ما يشكو منه الأميركيون أنّ الوفود اللبنانية التي زارتهم كانت تتبلّغ التحذيرات الأميركية لكنها تمضي في اعتماد سياسة المناورة قد يجد الأميركيون أنّ انخراط لبنان كلياً تحت جناح إيران، مبرِّر لاستهدافه من دون تردّد، كما سائر منظومة إيران أيُّ نموذج سيختار لبنان قبل دخوله اللحظات القاتلة: الإنقاذ أم الخراب؟