Site icon IMLebanon

فوضى أميركية ـ روسية تشمل لبنان

 

 

خلال قمة الدول العشرين التي عُقدت أخيراً في الأرجنتين ألغى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإجتماع الذي كان مقرّراً أن يعقده مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين معلِّلاً موقفَه بالاعتراض على الوضع الحاصل في أوكرانيا. لكن سرعان ما تبيّن أنّ السببَ الفعلي الذي حال دون حصول اللقاء هو الوضعُ الداخلي المتأزّم للرئيس الأميركي والذي تفاقم أكثر خلال الأيام المنصرمة.

 

آخر الراحلين عن ادارة ترامب حتى الآن هو وزير الداخلية، بعدما كان رحل كبير موظفي البيت الابيض واعتذر آخرون عن تولّي هذه المسؤولية قبل أن يقبل بها ميك مولغاني آتياً من رئاسة مكتب ادارة الموازنة.

 

لا شك في أنّ الصورة لا تبدو مريحة لترامب، فمدير حملته السابق بول مانافورت يقبع في السجن ومحاميه مايكل كوهين في طريقه الى الزنزانة، والتحقيق الذي يتولّاه روبرت مولر يضيّق الخناق على ترامب. اضف الى ذلك انّ نتائج الانتخابات النصفية فتحت الباب، ولو نصف فتحة، امام الراغبين بتوجيه صفعات سياسية للبيت الابيض.

 

صحيح انّ الديموقراطيين سينتظرون حتى الشهر المقبل لتسلّم مجلس النواب، الّا انّ ذلك لم يمنع من ظهور مناخ جديد في الكونغرس سمح بتصويت مجلس الشيوخ على مشروع قرار يحمّل وليَّ العهد السعودي مسؤولية قتل جمال الخاشقجي بعد انضمام سبعة اعضاء جمهوريين الى زملائهم الديموقراطيين في تصويتهم لمشروع القرار، وهو ما اعتُبر توبيخاً تاريخياً للرئيس الأميركي الذي لطالما دحض هذه الاتّهامات.

 

حتى الآن إنّ التصويت هو رمزي أكثر ممّا هو فعلي. ذلك أنه مع تسلّم الديموقراطيين مجلس النواب ستبدأ الخطوات التشريعية لإقرار مشروع القانون الجديد.

 

لكنّ الدستور الاميركي أعطى للرئيس حقّ ردّ مشروع القانون وإعادته الى مجلس النواب ما اصبح يستلزم ثلثي الاصوات لإمراره.

 

وعلى رغم انّ الأرجح هو أن يردّ ترامب مشروع القانون وعجز مجلس النواب عن تأمين غالبية الثلثين، إلّا أنّ ما حصل يعكس انعدام الثقة في رسم ترامب السياسة الاميركية تجاه السعودية واليمن، وهي حالة نادرة في السياسة الاميركية بدليل أنها المرة الاولى التي يستحضر فيها مجلسا الكونغرس والنواب قانون صلاحيات الحرب الصادر عام 1973 والذي كان يهدف لوضع حدٍّ للحرب الدائرة في فيتنام. اليوم وبعد نحو 45 عاماً يتّجه مجلس النواب الاميركي لإجراء مراجعة شاملة للسياسة الاميركية تجاه السعودية وفتح احتمالات التحقيق في علاقة المستشار الأقرب لترامب صهره جاريد كوشنر مع وليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان.

 

لكنّ الكرَملين يريد انعقادَ قمة أميركية ـ روسية بسبب الحاجة الماسّة اليها وللبحث في قضايا الشرق الاوسط وصولاً الى اوكرانيا.

 

ففي سوريا باشرت تركيا استعداداتها لضرب الأكراد من خلال عملية عسكرية تطاول شرق الفرات. فهذه النقطة تمثل اولوية لدى تركيا وتطاول مصالحها الامنية الحيوية في وقت إرتفع منسوب الارتياب لدى أنقرة بسبب أبراج المراقبة الاميركية عند الحدود التركية – السورية. اضف الى ذلك ما بات معروفاً حول سعي القوة الاميركية الموجودة في سوريا لإنشاء قوة عسكرية تضمّ 40 ألف جندي من القوى المعارِضة للرئيس السوري وأن يكون عمودُها الفقري الأكراد، تعمل بأمرة الجيش الاميركي في مناطق محدّدة في الشمال السوري.

 

كذلك فإنّ روسيا التي تتقاطع مع تركيا في عدد من الملفات تبدو حريصة على حماية الأكراد في هذه المرحلة، على الاقل كونها تستفيد أيضاً من «خدماتهم» العسكرية، وصحيح انّ موسكو تفاهمت مع واشنطن من خلال قنوات خلفيّة على سعي الكرملين لإقناع الرئيس التركي بعدم القيام بأيّ عملية عسكرية تجاه منبج، إلّا انّ التنسيق الروسي ـ الاميركي حيال هذا الملف في حاجة للتفاهم على تفاصيل في لقاء مباشر بين الرئيسين، اضافة الى مسائل أُخرى لها علاقة بإيران واسرائيل في سوريا.

 

وكانت زيارة وفدٍ من ضباط الجيش الإسرائيلي الكبار برئاسة رئيس غرفة العمليات الى موسكو حيث التقى الضباط الروس الكبار، قد شكّلت عودة التواصل والتنسيق العسكري بين البلدين بعد أن كان قد توقف إثر إسقاط الطائرة الروسية في ايلول الماضي.

 

وفي الضفة الغربية تصاعدت العمليات في وجه الاسرائيليين ليتصاعد معها القلق الاميركي لجهة «صفقة القرن». وغالب الظن أنّ حركة «حماس» هي مَن تقف خلف تحريك الوضع في الضفة الغربية حالما توقفت المواجهة في غزة. وهذا ما دفع برئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لتوجيه رسالة الى «حماس» من خلال الوسيط المصري مفادها أنه اذا لم تتوقف العمليات في الضفة الغربية فلن يكون هنالك هدوء في غزة.

 

المشسكلة لا تكمن فقط في انّ الضفة الغربية تشكل منطقة نفوذ صافية للسلطة الفلسطينية وحركة «فتح» حيث الرهان على دورٍ مساعدٍ للرئيس الفلسطيني على مستوى «صفقة القرن»، بل لأنّ نتنياهو كان يأمل في استثمار عملية «درع الشمال» في محاذاة الخط الفاصل مع لبنان في الشارع الاسرائيلي والانطلاق الى إجراء انتخابات مبكرة، ذلك انّ مواجهة غزة أدّت الى توجيه ضربة معنوية قاسية للحكومة الاسرائيلية التي كادت أن تسقط ولكنها «بقيت على قيد الحياة» بغالبية صوت واحد وهذه غالبية ضيقة لا تسمح للبيت الابيض بالدخول في مغامرة إعلان «صفقة القرن». ومعه كان من الافضل البحث في «إنجاز» عسكري رمزي يعيد لنتنياهو بعض الهيبة والثقة ويسمح له بخوض انتخابات مبكرة تعطيه غالبية وتسمح له بتشكيل حكومة جديدة قادرة على التزام «صفقة القرن» وتطبيقها.

 

لكنّ عملية «درع الشمال» بدت باهتة، وزادت من سوء الوضع عمليات «حماس» في الضفة الغربية . فعدا عن أنها حجبت تأثيرات «درع الشمال» الإيجابية على الشارع الاسرائيلي، إن وُجِدت، فإنّ الإنتقادات تصاعدت في الداخل الاسرائيلي حول ما اعتبروه ضعف المخابرات الغسرائيلية في كشف خلايا «حماس» وبنيتها التحتية التي أنشأتها أخيراً في الضفة الغربية.

 

ذلك أنّ العمليات الاخيرة أظهرت تطوّرَ وجود «حماس» في الضفة والتي تتحرّك وفق خطط مدروسة وخلايا منظمة جيداً لا وفق عمليات إرتجالية وترتكز على أفراد متحمّسين. وهذا ما يعني أنّ نتنياهو فشل في استثمار عملية «درع الشمال» وهو لن يدفع في اتّجاه انتخابات مبكرة في ظلّ استياءٍ إسرائيلي من الوضع الامني.

 

في المقابل طلب نتنياهو مساعدة البيت الابيض للدفع في اتّجاه إقناع السعودية بتطبيع العلاقات معها رسمياً ما يعطيه تعويضاً جيداً وورقة قوية لاستثمارها شعبياً قبل الانتخابات. ولذلك تعمّد نتنياهو تسريبَ ما طلبه من وزير الخارجية الاميركي خلال لقائهما الاخير الى الصحافة الإسرائيلية وعبر «هآرتس»، كشف عن طلبه بوضع عقوبات أقسى تطاول لبنان.

 

وعبر»معاريف» تمّ تسريب طلب نتنياهو من بومبيو وقف الدعم الاميركي للجيش اللبناني، وفي كلا الحالتين كان رفض بومبيو واضحاً.

 

فلا واشنطن في وارد «تدمير» الدولة اللبنانية، لا بل العكس هو ما تريده، ولا وزارة الدفاع الاميركية في وارد قطع مساعداتها عن الجيش اللبناني خصوصاً أنه اثبت كفايته وجدارته، وهو يقوم بمسؤولياته على أفضل وجه بالمقارنة مع ظروفه الصعبة.

 

وربما تراقب واشنطن عذرَ سعي موسكو للتغلغل في الساحة اللبنانية، إن عبر إمساكها بالسماء اللبنانية، أو عبر دخولها على خط المساعدات العسكرية للجيش، أو حتى عبر استمالة الشارع اللبناني. ولذلك تريد موسكو قمة أميركية ـ روسية لترسيم الحدود بينهما.