يواجه حسان دياب، منذ التكليف فالتأليف، حالاً شبيهة بما يواجهه ميشال عون منذ ٣١ تشرين الأول ٢٠١٧. ينتظر حكومته حصار سياسي وإقتصادي – مالي وحروب بلا هوادة – حد التجريح الشخصي – في إستعادة للنسق نفسه الذي إنبرت اليه قوى سياسية كلما وجدتْ (أو أوجدَتْ) نفسها خارج الحكم، أو خارج القرار. هذا الدأب – الذي استحال نمطا – استوى لدى هذه القوى على إمتداد الأعوام الثلاثين الفائتة في عهدين رئاسيين من خلال القائمين على الدولة العميقة والعاملين بلا هوادة على الحفاظ على ما تراكم لهم من مكتسبات غير مشروعة، في غالبها، على هامش الطائف ووثيقة الوفاق والدستور والدولة والمؤسسات. تلك المكتسبات التي تبيّن أن أمراء الحرب جعلوها من خارج النص الدستوري جزءا من تسوية الطائف، حتى قيل ان فيه بندا سريا غير مكتوب يلزّمهم استيراد وتجارة البنزين والمازوت من ضمن مكتسبات أخرى بغية تأمين التمويل السياسي لهم ولأنصارهم. وقد يفسّر هذا الاقتباس الشراسة التي تواجَه بها كل خطوة إصلاحية في قطاع الطاقة، من الكهرباء الى الفيول والبنزين والمازوت، وليس إنتهاء ببدء الإستكشاف النفطي.
قبل أيام، خرج دياب عن موجب التحفّظ الذي أوجبه على نفسه والفريق الوزاري، بعدما وجد أن مسؤولين (مباشرة أو مداورة) عن السياسات التي أغرقت البلد وأوصلته الى الحضيض والانهيار يحمّلونه عبء ما ارتكبوا، وبعدما تبيّن له حجم الحصار والتحريض الذي يتعرض له خارجيا عبر قوى محلية إعتادت أن تلاقي الخارج في خياراته اللبنانية. ويشي القابل من الأيام بمزيد من التعرّض للحكومة ليس فقط على خلفية مروحة من الملفات الإصلاحية التي تنوي الغوص فيها، بل من منطلق الخشية من أن يؤدي أي خرق حكومي إيجابي في الازمة الضاربة سياسيا وإقتصاديا، الى إلغاء او إستبدال أدوار إعتادت أن تعوّل على الخارج مصدرا للرزق والتكسّب في مقابل خدماتها المحلية، فتنتفي الحاجة إليها بمجرّد زوال أو إنتفاء الغاية من وجودها.
يتردد في الكواليس بند سري غير مكتوب في الطائف يلزّم أمراء الحرب تجارة البنزين من ضمن مكتسبات لتأمين التمويل السياسي لهم
في المعطيات، ان إشتداد الحملة سيأتي في مظهرين، داخلي وخارجي:
أ- تتحضّر قوى المعارضة الى خوض جولات شديدة في وجه الحكومة، وإستطرادا العهد. ولن يحول إكتمال عقد جبهة سياسية – حزبية معارضة دون تلك الجولات، إنطلاقا من حاجة تلك المعارضة الى التحشيد السياسي – المذهبي لإستكمال شد العصب تمهيدا للإستحقاقين النيابي والرئاسي. وتشكّل العناوين المطروحة حكوميا ملفات ذات طابع دسم قابل للتحشيد، وخصوصا في ملفيّ النفط حيث المغانم غير المشروعة المهددة بالقضم والضمّ للمصلحة العامة، والإتصالات القطاع الذي عيث فيه في الأعوام الثلاثة الأخيرة ما كثر من فساد وإهدار وتنفيع. ومن نافل القول ان في أجندة القوى المعارضة ملاقاة حكمية للحصار الخارجي، بما يواكب معاركها الداخلية على الحكومة.
ب – تتشدد واشنطن تباعا في مقاربتها المسألة اللبنانية، في سياق إستكمال الحرب على حزب الله وعلى ما يمت له بصلة. ولا يخرج وصم معارضة الداخل الحكومة بالسمة «الحزباللوية» عن مسار التضييق الخارجي على البلد. ولا يخفى ان قانون ماغنيتسكي (الدولي للمساءلة حول حقوق الإنسان) وليس فقط لوائح مركز مكافحة تمويل الارهاب (اوفاك) التابع لوزارة الخزانة، سيكون عنوان المرحلة.
وليس تفصيلا، وإن لم يستوِ له مكان في الإعلام والرأي العام، أن يبحث جبران باسيل مع السفيرة اليزابيت ريتشارد في اللقاء الوداعي في إمكان أن تساعد الولايات المتحدة لبنان في ملف الفساد عبر تطبيق قانون ماغنيتسكي.
يضاف الى وسائل الضغط وأدوات العقاب الأميركي مشروع «قانون صفر تسامح»، الذي تعمل على إقراره السناتور الديموقراطية جين شاهين وزميلها الجمهوري تيد كروز، على خلفية الوضع الملتبس للمسؤول السابق في «جيش لبنان الجنوبي» عامر فاخوري. ويستهدف القانون المقترح مسؤولين في الحكومة اللبنانية، على خلفية إستمرار سجن فاخوري الذي يتخذ وعائلته مسكنا في مدينة دوفر في ولاية نيوهامبشير التي تمثلها شاهين.
في هذا الإطار، يستعد عدد من المحامين الأميركيين لزيارة بيروت في الأيام القليلة المقبلة في سياق جولة ضغط تشمل عددا من المسؤولين، بغية التسويق لمخارج لا تزال تتعثّر بفعل تحفظ لبناني عن التجاوب مع ما يؤدي الى تخلية الرجل تحت الضغط والوعيد بعقوبات.